تعالى لما كذبت رسله وجحدت آياته ونعمه.
وحصل بذلك تكرير الإنكار الذي في قوله قبل هذا : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [غافر : ٢١] الآية ، فكان ما تقدم انتقالا عقب آيات الإنذار والتهديد ، وكان هذا انتقالا عقب آيات الامتنان والاستدلال ، وفي كلا الانتقالين تذكير وتهديد ووعيد. وهو يشير إلى أنهم إن لم يكونوا ممن تزعهم النعم عن كفران مسديها كشأن أهل النفوس الكريمة فليكونوا ممن يردعهم الخوف من البطش كشأن أهل النفوس اللئيمة فليضعوا أنفسهم حيث يختارون من إحدى الخطتين.
والقول في قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) مثل القول في نظيره السابق في هذه السورة ، وخولف في عطف جملة (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) بين هذه الآية فعطفت بالفاء للتفريع لوقوعها بعد ما يصلح لأن يفرع عنه إنكار عدم النظر في عاقبة الذين من قبلهم بخلاف نظيرها الذي قبلها فقد وقع بعد إنذارهم بيوم الآزفة.
وجملة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) معترضة والفاء للتفريع على قوله : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) وهو كقوله تعالى : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [ص ٥٧] وقول عنترة :
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
مني بمنزلة المحبّ المكرم |
وفائدة هذا الاعتراض التعجيل بإفادة إن كثرتهم وقوتهم وحصونهم وجناتهم لم تغن عنهم من بأس الله شيئا.
وجملة (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) الآية مفرعة على جملة (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) أي كانوا كذلك إلى أن جاءتهم رسل الله إليهم بالبينات فلم يصدقوهم فرأوا بأسنا. وجعلها في «الكشاف» جارية مجرى البيان والتفسير لقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) ، وما سلكته أنا أحسن وموقع الفاء يؤيده.
ولما في (لمّا) من معنى التوقيت أفادت معنى أن الله لم يغير ما بهم من النعم العظمى حتى كذبوا رسله. وجواب (لمّا) جملة (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) وما عطف عليها.
واعلم أن المفسرين ذهبوا في تفسير هذه الآية طرائق قددا ذكر بعضها الطبري عن بعض سلف المفسرين. وأنهاها صاحب «الكشاف» إلى ستّ ، ومال صاحب «الكشف» إلى