الفتح ، أو بعد أن ينجو منه مثل إيمان قريش يوم الفتح بعد رفع السيف عنهم ، فإيمانه كامل مثل إيمان خالد بن الوليد ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد ارتداده.
ووجه عدم قبول الإيمان عند حلول عذاب الاستئصال وقبول الإيمان عند نزول بأس السيف ؛ أن عذاب الاستئصال مشارفة للهلاك والخروج من عالم الدنيا فإيقاع الإيمان عنده لا يحصّل المقصد من إيجاب الإيمان وهو أن يكون المؤمنون حزبا وأنصارا لدينه وأنصارا لرسله ، وما ذا يغني إيمان قوم لم يبق فيهم إلّا رمق ضعيف من حياة ، فإيمانهم حينئذ بمنزلة اعتراف أهل الحشر بذنوبهم وليست ساعة عمل ، قال تعالى في شأن فرعون : (إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس : ٩٠ ، ٩١] ، أي فلم يبق وقت لاستدراك عصيانه وإفساده ، وقال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨] فأشار قوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) إلى حكمة عدم انتفاع أحد بإيمانه ساعتئذ. وإنما كان ما حل بقوم يونس حالا وسيطا بين ظهور البأس وبين الشعور به عند ظهور علاقاته كما بيّناه في سورة يونس.
وجملة (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) كالفذلكة لقوله : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ، وبذلك آذنت بانتهاء الغرض من السورة. و (هُنالِكَ) اسم إشارة إلى مكان ، استعير للإشارة إلى الزمان ، أي خسروا وقت رؤيتهم بأسنا إذ انقضت حياتهم وسلطانهم وصاروا إلى ترقب عذاب خالد مستقبل.
والعدول عن ضمير (الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [غافر : ٢١] إلى الاسم الظاهر وهو (الْكافِرُونَ) إيماء إلى أن سبب خسرانهم هو الكفر بالله وذلك إعذار للمشركين من قريش.