(وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ)(١) [الفرقان : ١٧]. الآية ؛ وإن كان الغالب في القرآن في لفظ العباد المضاف إلى اسم الله تعالى أو ضميره أن يطلق على خصوص المؤمنين والمقرّبين ، وقرينة السياق ظاهرة هنا ظهورا دون ظهورها في قوله : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) [الفرقان : ١٧].
والرضى حقيقته : حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به ، وهو على التحقيق فيه معنى ليس في معنى الإرادة لما فيه من الاستحسان والابتهاج ويعبر عنه بترك الاعتراض ، ولهذا يقابل الرضى بالسخط ، وتقابل الإرادة بالإكراه ، والرضى آئل إلى معنى المحبة. والرضى يترتب عليه نفاسة المرضيّ عند الراضي وتفضيله واختياره ، فإذا أسند الرضى إلى الله تعالى تعيّن أن يكون المقصود لازم معناه الحقيقي لأن الله منزّه عن الانفعالات ، كشأن إسناد الأفعال والصفات الدالة في اللغة على الانفعالات مثل : الرحمن والرءوف ، وإسناد الغضب والفرح والمحبة ، فيؤوّل الرضى بلازمه من الكرامة والعناية والإثابة إن عدي إلى الناس ، ومن النفاسة والفضل إن عدّي إلى أسماء المعاني. وقد فسره صاحب «الكشاف» بالاختيار في قوله تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) في سورة العقود [٣].
وفعل الرضى يعدّى في الغالب بحرف (عن) ، فتدخل على اسم عين لكن باعتبار معنى فيها هو موجب الرضى. وقد يعدّى بالباء فيدخل غالبا على اسم معنى نحو : رضيت بحكم فلان ، ويدخل على اسم ذات باعتبار معنى يدل عليه تمييز بعده نحو : رضيت بالله ربّا ، أو نحوه مثل : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ، أو قرينة مقام كقول قريش في وضع الحجر الأسود : هذا محمد قد رضينا به ، أي رضينا به حكما إذ هم قد اتفقوا على تحكيم أول داخل.
ويعدّى بنفسه ، ولعله يراعى فيه التضمين ، أو الحذف والإيصال ، فيدخل غالبا على اسم معنى نحو : رضيت بحكم فلان بمعنى : أحببت حكمه. وفي هذه الحالة قد يعدّى إلى مفعول ثان بواسطة لام الجر نحو : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ، أي رضيته لأجلكم وأحببته لكم ، أي لأجلكم ، أي لمنفعتكم وفائدتكم. وفي هذا التركيب مبالغة في التنويه بالشيء المرضي لدى السامع حتى كأن المتكلم يرضاه لأجل السامع.
__________________
(١) في المطبوعة : (ويوم نحشرهم جميعا فيقول) وهذا خطأ.