والنجاة ، وهذا من انتهاز القرآن فرص الإرشاد والموعظة.
فالمقصود هو قوله : (إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) فاغتنم هذا الغرض ليجتلب معه موعظة بما يتقدمه من الحوادث عسى أن يكون لهم بها معتبر ، فحصلت بهذا فوائد : منها تمهيد ذكر يوم القيامة ، ومنها التذكير بزوال هذه الحياة ، فهذان عامّان للمشركين والمؤمنين ، ومنها حثّ المؤمنين على المبادرة للعمل الصالح ، ومنها إشعارهم بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم يموت كما مات النبيئون من قبله ليغتنموا الانتفاع به في حياته ويحرصوا على ملازمة مجلسه ، ومنها أن لا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره ، ومنها تعليم المسلمين أن الله سوّى في الموت بين الخلق دون رعي لتفاضلهم في الحياة لتكثر السّلوة وتقل الحسرة.
فجملتا (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) استئناف ، وعطف عليهما (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) بحرف (ثُمَ) الدال على الترتيب الرتبي لأن الإنباء بالفصل بينهم يوم القيامة أهم في هذا المقام من الإنباء بأنهم صائرون إلى الموت.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو خبر مستعمل في التعريض بالمشركين إذ كانوا يقولون : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] ، والمعنى : أن الموت يأتيك ويأتيهم فما يدري القائلون : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أن يكونوا يموتون قبلك ، وكذلك كان ، فقد رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصارع أشدّ أعدائه في قليب بدر ، قال عبد الله بن مسعود : دعا رسول الله على أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّهم رسول الله صرعى في القليب قليب بدر.
وضمير الغيبة في (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) للمشركين المتحدث عنهم ، وأما المؤمنون فلا غرض هنا للإخبار بأنهم ميّتون كما هو بيّن من تفسير الآية. وتأكيد الخبرين ب ـ (إنّ) لتحقيق المعنى التعريضي المقصود منها.
والمراد بالميت : الصائر إلى الموت فهو من استعمال الوصف فيمن سيتصف به في المستقبل تنبيها على تحقيق وقوعه مثل استعمال اسم الفاعل في المستقبل كقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠].
والميت : هو من اتصف بالموت ، أي زالت عنه الحياة ، ومثله : الميت بتخفيف