القضاء على من كذّب على الله وكذّب بالصدق إذ جاءه إذ هو الذي لا أظلم منه ، أي فيكون القضاء على المشركين إذ كذبوا على الله بنسبة الشركاء إليه والبنات ، وكذّبوا بالصدق وهو القرآن ، وما صدق (مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) الفريق الذين في قوله : (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] وهم المعنيون في قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الزمر : ٢٤].
وقد كني عن كونهم مدينين بتحقيق أنهم أظلم لأن من العدل أن لا يقرّ الظالم على ظلمه فإذا وصف الخصم بأنه ظالم علم أنه محكوم عليه كما قال تعالى حكاية عن داود : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) [ص : ٢٤]. وقد عدل عن صوغ الحكم عليهم بصيغة الإخبار إلى صوغه في صورة الاستفهام للإيماء إلى أن السامع لا يسعه إلّا الجواب بأنهم أظلم.
فالاستفهام مستعمل مجازا مرسلا أو كناية مراد به أنهم أظلم الظالمين وأنه لا ظالم أظلم منهم ، فآل معناه إلى نفي أن يكون فريق أظلم منهم فإنهم أتوا أصنافا من الظلم العظيم : ظلم الاعتداء على حرمة الرب بالكذب في صفاته إذ زعموا أن له شركاء في الربوبية ، والكذب عليه بادعاء أنه أمرهم بما هم عليه من الباطل ، وظلم الرسول صلىاللهعليهوسلم بتكذيبه ، وظلم القرآن بنسبته إلى الباطل ، وظلم المؤمنين بالأذى ، وظلم حقائق العالم بقلبها وإفسادها ، وظلم أنفسهم بإقحامها في العذاب الخالد.
وعدل عن الإتيان بضميرهم إلى الإتيان بالموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه كونهم أظلم الناس. وإنما اقتصر في التعليل على أنهم كذبوا على الله وكذّبوا بالصدق لأن هذين الكذبين هما جماع ما أتوا به من الظلم المذكور آنفا.
والصدق : ضد الكذب. والمراد بالصدق القرآن الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومجيء الصدق إليهم : بلوغه إياهم ، أي سماعهم إياه وفهمهم فإنه بلسانهم وجاء بأفصح بيان بحيث لا يعرض عنه إلا مكابر مؤثر حظوظ الشهوة والباطل على حظوظ الإنصاف والنجاة.
وفي الجمع بين كلمة (الصدق) وفعل (كَذَبَ) محسن الطباق.
و (إِذْ جاءَهُ) متعلق ب (كَذَبَ) ، و (إِذْ) ظرف زمن ماض وهو مشعر بالمقارنة بين الزمن الذي تدل عليه الجملة المضاف إليها ، وحصول متعلقه ، فقوله : (إِذْ جاءَهُ) يدل