تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب! قال فتعجبت وقلت: جني يناديني أم إنسي؟ قال : بل جني مؤمن بالله جل وعلا ومعي أخواني ، قلت : فهل عندهم ما عندك؟ قال : نعم وزيادة ، قال : فناداني الثاني منهم : لا يذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة! قال فقلت في نفسي : ما أبلغ كلامهم ؛ فناداني الثالث منهم : من أنس به في الظلام لا يبقى له الاهتمام! قال : فصعقت فما أفقت إلا برائحة الطيب وإذا برجسة على صدري فشممته فأفقت فقلت : وصية يرحمكم الله! فقالوا جميعا : أبى الله أن يحيي إلا به قلوب المتقين ، فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع ، ومن اتبع طبيبا مريضا دام عليه! وودعوني ومضوا ، وقد أتي على حين فلا أزال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري.
روي عن أبيه وغيره ، روي عنه أبو الحسن بن مقسم.
كتب إلى أحمد بن محمد الشاهد الأصبهاني أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد قراءة عليه وأنبأنا أبو طالب الجوهري بقراءتي عليه ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا حمد بن أحمد الحداد قالا : أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو الحسن (١) أحمد بن محمد بن مقسم ، حدثنا أبو الحسن العاقولي الكاتب ، حدثنا عيسى صاحب الديوان ، حدثني بعض أصحاب جعفر قال : سئل جعفر بن محمد ، لم حرم الله الربا؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف.
شهد عند القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي في يوم الأربعاء لليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة فقبل شهادته له ، وتوفي يوم الأحد لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة ببغداد عن ثلاث وستين سنة ، ذكر ذلك هلال بن المحسن الكاتب ونقلته من خطه.
كان شيخا ظريفا من أهل الأدب ، مات في الثاني من صفر سنة تسع عشرة وأربعمائة.
__________________
(١) في الأصول : «أبو الحسين».
(٢) انظر : حلية الأولياء ٣ / ١٩٤.