جَهَنَّمُ) يعذب فيها أشد العذاب ، (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) الذي مهّده لنفسه بعمله وجريمته.
تلك هي صورة هذا النموذج الذي يتمثل بشخصية المنافق الذي يتحرك في حقول الدين والسياسة والاجتماع في كل زمان ومكان ، هذا الذي يبيع نفسه للشيطان في كل ما يمثله من التواء وانحراف وإغراء وإغواء ، من أجل أن يؤدي بنا إلى الانهيار والدمار من حيث لا نشعر ولا نريد.
وهناك صورة أخرى لنموذج جديد مشرق في داخل الحياة وخارجها ، تتمثل بالإنسان الذي شرى نفسه لله من أجل الحصول على رضاه (١).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) الأمر الذي يجعله يشعر أنه لا يملك نفسه ولا يرى لها حريّة مطلقة بعيدا عن إرادة الله وطاعته.
ولذلك فهو يعيش الإحساس العميق بأن عليه أن يبذل كل طاقاته الفكرية والروحية والجسدية في سبيل الله ، فلا مجال للترف الفكري في الأجواء التي تتحرك فيها التحديات الفكرية ضد الفكر الحق ، ولا موقع للخيال أمام حاجة الواقع إلى التعامل مع الظروف الموضوعية المطروحة في الساحة ، ولا وقت للفراغ في المجالات التي يشعر فيها الإنسان والحياة. وهكذا تنطلق حياته لتتحرك من موقع الحق المتحرك في أكثر من اتجاه ضد خطوات الباطل التي تطلق التحدي في أكثر من مجال.
إنه نموذج الرساليين الذين يعيشون رسالتهم في كل مظهر لحركة الحياة من حولهم ، ويعيشون حياتهم من أجل رسالتهم في الخط المستقيم ؛ فلا ينحرفون أمام كل محاولات الإغراء ولا يستسلمون لكل عوامل الضغط ؛ بل
__________________
(١) الشراء هنا بمعنى البيع كما في قوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف : ٢٠] أي : باعوه.