يظلون في الموقع الصلب ، في ساحات التحدي الصعب ليشهدوا الله على أنهم صدقوا العهد وأكدوا الميثاق بجهادهم وتضحياتهم في سبيله ، ولم تأخذهم فيه لومة لائم.
(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فهو الذي يتقبل منهم هذه النفوس المجاهدة التي تستقبل الموت بكل رضى واطمئنان ، انطلاقا من خط الواجب الذي تلتقي فيه الرسالة بالشهادة والشهادة بالنصر ، ويجزل لها الثواب في مستقر رحمته ورضوانه ، وهو الذي يجازيهم الثواب الكثير بالعمل القليل.
وقد يمكن لنا استيحاء الصورة في مجالها المتجسد في صورة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في ما يذكره الرازي في تفسيره ـ في ما نقله عنه صاحب تفسير الكاشف ـ قال : جاء في سبب نزولها ثلاث روايات ، منها أنها «نزلت في علي بن أبي طالب عليهالسلام بات على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة خروجه الى الغار ، ويروى أنه لما نام على فراشه ، قام جبريل عليهالسلام عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة» (١).
وقد جاء في التفاسير أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أراد الهجرة إلى المدينة ، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خروجه إلى الغار ، وقد أحاط به المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه ، وقال له : اتّشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي ، فإنه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى. ففعل ذلك عليّ ، ويروي الثعلبي في تفسيره ـ كما ينقلها البحراني ـ هذه الرواية ثم يقول «فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ،
__________________
(١) الفخر الرازي ، التفسير الكبير ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، ط : ٣ ، ١٩٩٠ م : ٣ ، ج: ٥ ، ص : ٢٠٤.