أنفسهم في أمر رسول الله (ص) إذ كانت دلائله أوضح من ان تخفى وأشهر من ان لا تظهر لهم ، وكذلك عوامّ أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظّاهر والعصبيّة الشّديدة والتّكالب على حطام الدّنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصّبون عليه وان كان لاصلاح أمره مستحقّا ، والرّفق والبرّ والإحسان على من تعصّبوا له وان كان للاذلال والاهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله بالتّقليد لفسقة فقهائهم ، فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلّدوه ؛ وذلك لا يكون الّا في بعض فقهاء الّشيعة لا جميعهم فانّ من يركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ولا كرامة لهم.
(فَوَيْلٌ) تفريع على قوله (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) يعنى انّ الّذين يسمعون كلام الله ثمّ يحرّفونه يكتبون الكتاب بأيدى أنفسهم اى بأيد منسوبة الى أنفسهم لا الى الله ولا الى أمر الله فويل (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) أو تفريع على مجموع سماع كلام الله وتحريفه وعدم ادراك جهة حقّانيّة من الكتاب وانحصار ادراكهم في الجهة الباطلة يعنى انّ الّذين لا يعلمون من الكتاب الّا الجهة الموافقة لآمالهم لا يكتبون الكتاب على الصّحائف الجسمانيّة الّا بأيديهم المسخّرة لأنفسهم ، أو لا يكتبون الكتاب على صحائف أذهانهم الّا بأيد مسخّرة لأنفسهم الامّارة بالسّوء لا بأيد منسوبة الى الله ، أو الى أمر الله فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيدى أنفسهم من دون مدخليّة لله ولأمر الله فيه (ثُمَّ يَقُولُونَ) افتراء ظاهرا (هذا) المكتوب بأيدينا المسخّرة تحت الأنفس المسخّرة للشّيطان (مِنْ عِنْدِ اللهِ) وليس من عند الله بل هو من عند الشّيطان فانّه جرى اوّلا منه على الأنفس المحكومة له ثمّ منها على الأوهام ثمّ على الألسن أو الأيدى فهو من عند الشّيطان وهم يفترون بان يقولوا : هذا من عند الله (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) من الاعراض الدّنيويّة والاعراض الاعتباريّة والأغراض النّفسانيّة من التّبسّط والجاه والتّحبّب وغيرها (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) من الألفاظ والنّقوش الملقاة من الشّيطان على صدورهم فانّها أسباب تمكّن الشّيطان منهم (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الثّمن القليل فانّه أشدّ حرمة من كلّ حرام لانّهم توسّلوا بآلات الدّين الى الأغراض النّفسانيّة وجعلوا آلة الدّين شركا للدّنيا ، وصاروا أضرّ على ضعفاء العقول والدّين من جيش يزيد على أصحاب الحسين (ع) (وَقالُوا) عطف على قد كان فريق (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) يعنى أفتطمعون ان يؤمنوا لكم والحال أنّهم قائلون بأنّ النّار لن تمسّنا الّا ايّاما معدودة ليتمكّنوا من آمالهم وأنتم داعون لهم الى ترك الشّهوات ورفض الآمال (قُلْ) يا محمّد (ص) لهم : انّ هذا القول لا يكون الّا عن مشاهدة النّار وأصحابها وأنّهم ما مستّهم النّار الّا ايّاما ، ولستم أهل المشاهدة ، أو عن عهد من الله وصل إليكم بلا واسطة ، أو بواسطة الأنبياء ، أو عن افتراء على الله تعالى فسلهم (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) يعنى ان اتّخذتم عهدا فلن يخلف الله عهده أو المعنى فسلهم ألن يخلف الله عهده (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) لكن ليس لكم عهد عند الله ولستم مدّعيه فبقي انّكم تفترون على الله وتستحقّون به شدّة العذاب فضلا عن دوامه (بَلى) جواب عن ادّعائهم انّ العذاب ليس بدائم (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) أصله سيوء على وزن فيعل والتّاء