الّا ما يوافق أهويتهم ، والامّىّ هو المنسوب الى الامّ بمعنى انّه لم يزد على نسبته الى الامّ شيئا من الكمالات الكسبيّة من القراءة والكتابة ، وخصّص في العرف بمن لا يقرأ ولا يكتب والمراد به هاهنا من لم يزدد على مقام التّابعيّة للامّ وهو مقام الصّباوة واتّباع الشهوات والامانىّ شيئا من الانسانيّة الّتى اقتضت التّميز بين الحقّ والباطل واختيار الحقّ ورفض الباطل ولذا فسّره بقوله (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) والمراد بالكتاب مطلق أحكام النّبوّة ، أو مطلق الكتاب السّماوىّ ، أو شريعة موسى (ع) ، أو التّوراة ، أو أحكام شريعة محمّد (ص) ، أو القرآن. والامانىّ جمع الامنيّة وهي ما يتمنّى الإنسان سواء كان ممكنا أو محالا والمعنى أفتطمعون ان يؤمنوا لكم ومنهم أمّيّون متّبعون للاهوية والآمال غير متّصفين بالانسانيّة ومقتضياتها من التّميز بين الحقّ والباطل والإدراك للجهة الحقّانيّة من الأشياء والأحكام والكتب ، ومنزّلون للاحكام والكتب على ما يوافق أهويتهم وأمانيّهم ؛ مثلا لا يعلمون من الصّلوة الّا ما يوافق آمالهم من حفظ الصحّة ورفع المرض وكثرة المال والجاه وحفظهما وغير ذلك من الامانىّ الكثيرة ؛ فانّ أمانىّ النّفوس غير واقفة على حدّ ، أو مقدّرون انّ ظهور الأحكام والكتب من الأنبياء ظهور آمالهم ووصولهم الى أمانيّهم من التّبسّط في البلاد والتّسلّط على العباد والجاه والمال غير مدركين منها ظهور الأمر الإلهيّ وبروز عبوديّة الأنبياء ولا يدركون شيئا من الحكم والمصالح المندرجة فيها ، فالتّقدير على المعنى الاوّل لا يعلمون الكتاب الّا أمانىّ لهم ، وعلى المعنى الثّانى لا يعلمون الكتاب الّا أمانىّ للأنبياء ويحتمل ان يكون المعنى لا يدركون الكتاب الّا أمانىّ رؤسائهم الّتى يحرّفون الكلم إليها ويبيّنون فيها كما مضى في بيان الامّىّ ، ويمكن ان يراد معنى اعمّ منها اى لا يعلمون الكتاب الّا أمانىّ للأنبياء ولهم ولرؤسائهم ، ومن لا يدرك من الحقّ الّا الباطل لا يذعن للحقّ بما هو حقّ فلا يؤمن هؤلاء علماؤهم وجهّالهم لكم من حيث أنتم على الحقّ فعلم من هذا البيان انّ الاستثناء متّصل مفرّغ وليس منقطعا كما ظنّه بعض العامّة وقلّده على ذلك بعض الخاصّة رضوان الله عليهم ، ولمّا توهّم من النّفى والإثبات ثبوت العلم متعلّقا بالامانىّ لهم حصر تعالى ادراكهم حصر افراد في الظّنّ فقال تعالى : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ولا علم لهم أصلا ولعلّك تفطّنت بوجه حصر ادراكهم في الظّنّ ممّا أسلفنا من انّ ادراك النّفوس لجواز تخلّف المدرك عن الإدراك شأنه شأن الظّنّ فقط.
نقل انّه قال رجل للصّادق (ع) : فاذا كان هؤلاء العوامّ من اليهود لا يعرفون الكتاب الّا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم الى غيره فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الّا كعوامنا يقلّدون علماءهم فان لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم؟ ـ فقال (ع) : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، امّا من حيث استووا فانّ الله قد ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذمّ عوامهم ، وامّا من حيث افترقوا فلا ، قال : بيّن لي ذلك يا ابن رسول الله (ص) ، قال (ع) : انّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشا ، وبتغيير الأحكام عن وجهها بالشفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتّعصّب الشّديد الّذى يفارقون به أديانهم ، وأنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم يقارفون المحرّمات واضطرّوا بمعارف قلوبهم الى انّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمّهم لما قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا انّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديّه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النّظر