الخطاب عنهم بعد ما وبّخهم الى المؤمنين فقال (أَفَتَطْمَعُونَ) بعد ما سمعتم من أحوال أسلافهم الموافقين لهم في الشّؤن (أَنْ يُؤْمِنُوا) اى هؤلاء الموجودون المشابهون لهم (لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) اى من أسلافهم (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) في أصل جبل طور حين ذهابهم مع موسى (ع) لسماع كلام الله والشّهادة لبني إسرائيل بسماع كلام الله تعالى أو يسمعون كلام الله من التّوراة أو الإنجيل أو من لسان الأنبياء والأولياء أو المراد أفتطمعون ان يؤمن هؤلاء الموجودون لكم وقد كان فريق من هؤلاء يسمعون كلام الله من الكتاب النّازل عليكم ، أو من لسان محمّد (ص) أو من التّوراة في وصف محمّد (ص) وعلىّ (ع) وطريقهما (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) التّحريف جعل الشّيء في طرف من الحرف بمعنى الطّرف وتحريف الكلام جعله في طرف من موضعه الّذى وضع فيه وتحريف الكلم من بعد مواضعه بمعنى جعله في طرف بعد وقوعه في موضعه ويلزم تحريف الكلم تغييره ؛ ولذلك قد يفسّر به ، وتحريف كلام الله امّا بتغيير لفظه بإسقاط وزيادة وتقديم وتأخير حتّى يظنّ به غير معناه المقصود ، أو بتفسيره وتبيينه بغير المعنى المقصود منه حتّى يشتبه على من لا خبرة له (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) أدركوه بعقولهم (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) انّهم يحرّفونه أو هم العلماء ومن شأن العالم وخصوصا إذا عقل أمرا ان لا يحرّفه فهم أشدّ عذابا من غيرهم حيث خالفوا مقتضى علمهم وتعقّلهم (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على يسمعون (قالُوا آمَنَّا) إظهارا للموافقة للمؤمنين كسلمان ومقداد وغيرهما من غير مواطاة للقلب ولم يؤكّدوا كلامهم لعدم إقبال قلوبهم عليه ولإظهار أنّ ايمانهم لا ينبغي ان يشكّ فيه فلا ينبغي ان يؤكّد (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا) اى قال بعضهم للآخرين (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) من صفات محمّد (ص) وشريعته وموطنه ومهاجره وذلك انّ قوما من اليهود الّذين لم ينافقوا مع المسلمين كانوا إذا لقوا المسلمين أخبروهم بما في التّوراة من صفة محمّد (ص) ودينه وكان ذلك سببا لغضب الآخرين المنافقين فقالوا في الخلوة للمحدّثين : أتحدّثونهم بنعت محمّد (ص) ووصيّه (ع) ودينه (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ليحاجّ المسلمون بما أخبر تموهم ممّا فتح الله عليكم عند ربّكم فيقولوا عند ربّكم انّكم علمتم حقّيّة ديننا ونبيّنا وما آمنتم وعاند تمونا ، وقد زعم هؤلاء لحمقهم وسفاهتهم أنّهم ان لم يحدّثوهم بما عندهم من دلائل نبوّة محمّد (ص) لم يكن لهم عليهم حجّة عند ربّهم ، وإذا لم يكن لهم عليهم حجّة عند ربّهم لم يؤاخذهم الله ، وهذا كما ترى قياس اقترانىّ فاسد صغراه وكبراه ، لا يتّفوه بمثله الّا السّفيه والصّبىّ (أَفَلا تَعْقِلُونَ) انّ فيما تخبرون حجّة عليكم وهذا خطاب من منافقي القوم للآخرين (أَوَلا يَعْلَمُونَ) اى هؤلاء الّذين قالوا لإخوانهم : أتحدّثونهم (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فما أظهروه ممّا فتح الله عليهم وما أسرّوه كان حجّة عليهم عنده سواء أظهروه أو لم يظهروه ، وسواء حاجّهم المؤمنون أو لم يحاجّوهم (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) عطف على قد كان فريق منهم يسمعون كأنّه قال : أفتطمعون ان يؤمنوا لكم ومنهم علماء يسمعون كلام الله ثمّ يحرّفونه ، ومنهم أمّيّون لا يعلمون الحقّ من الباطل ولا يدركون من الكتاب والشّريعة ابتداء الّا الامانىّ الّتى يحرّف الكتاب علماؤهم بعد تعقّل المقصود إليها يعنى انّ فريقا منهم يعرفون المقصود من الكتاب لكنّهم يحرّفونه الى ما اقتضته أنفسهم وفريقا منهم لا يعرفون من الكتاب