والتّوانى في الامتثال والتّدانى من ترك الامتثال (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) تخاصمتم فانّ المخاصمة تستلزم المدافعة أو تدافعتم على حقيقته لانّ كلّا دفع قتلها عن نفسه الى صاحبه (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) من خبر القاتل وارادة تعجيز موسى والاستهزاء به وهي جملة حاليّة أو معطوفة على ادارأتم أو معترضة واعمال مخرج لكونه حكاية حال ماضية متصوّرة بصورة الاستقبال بالنّسبة الى جملة فادّارأتم فيها (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ) اى المقتول (بِبَعْضِها) ببعض أعضاء البقرة فضربوه بذنبها روى أنّهم أخذوا قطعة وهي عجز الذّنب الّذى منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا فضربوه بها وقالوا : اللهمّ بجاه محمّد (ص) وعلىّ (ع) وآله الطّيبّين لمّا أحييت هذا الميّت وأنطقته ليخبر عن قاتله فقام سالما سويّا وقال : يا نبىّ الله قتلني هذان ابنا عمّى حسداني على بنت عمّى فقتلاني وألقيانى في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي فأخذ موسى (ع) الرّجلين فقتلهما. وروى انّ المقتول المنشور توسّل الى الله سبحانه بمحمّد (ص) وآله (ع) ان يبقيه في الدّنيا متمتّعا بابنة عمّه ويجزى عنه أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا طيّبا ؛ فوهب الله له سبعين سنة بعد ان كان قد مضى عليه ستّون سنة قبل قتله صحيحة حوّاسّه فيها قويّة شهواته فتمتّع بحلال الدّنيا وعاش معها لم يفارقها ولم يفارقه وماتا جميعا معا وصارا الى الجنّة وكانا فيها زوجين ناعمين (ذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) اى قلنا اضربوه ببعضها فضربوه فحىّ فقلنا كذلك يحى الله الموتى فلا تستغربوا الحيوة بعد الممات أو قلنا اضربوه ببعضها قائلين بعد ضربه وحيوته كذلك يحى الله الموتى ، أو هو مستأنف لبيان كيفيّة احياء الموتى في الرّجعة أو في المعاد فانّهم كانوا مستغربين لإحياء الموتى ورجعتهم الى الدّنيا ، أو اعادتهم في الاخرى وبعد حيوة الميّت صار المقام مقام السّؤال عن كيفيّة احياء الموتى كأنّهم قالوا : هل يحى الله الموتى مثل احياء هذا الميّت؟ ـ فقال تعالى : كذلك يحيى الله الموتى (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) عطف على يحى الله اى مثل اراءة هذه الآية العجيبة من احياء الميّت بالتقاء ميّت آخر يريكم سائر آياته النّفسانيّة العجيبة والخارجيّة الغريبة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) اى تدركون جواز المعاد والرّجعة ، أو تدركون صحّة نبوّة موسى (ع) وصحّة قوله في تفضيل محمّد (ص) وعلىّ (ع) وآلهما (ع) أو لعلّكم تصيرون عقلاء خارجين عن مقام الجهل الى مقام العقل (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) لا تلين بالرّحمة والخير (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى ما جعلناه سببا لرقّة قلوبكم صار سببا لقسوته فانّ تعقيب القساوة لاراءة الآيات يشعر بسببيّتها لها ، وهذا ذمّ بليغ لهم لأنّه يشعر بأن خباثة طينتهم جعلت ما كان سببا لهدايتهم وادراكهم سببا لقساوتهم وبلاهتهم (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) اى فصارت كالحجارة لكنّه عدل الى الاسميّة اشعارا بتمكّنهم في القسوة أو فعلم أنّها كالحجارة فيكون عطفا باعتبار لازم الحكم (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) بل أشدّ قسوة وقرء أشدّ بالفتح عطفا على محلّ الحجارة (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) عطف في موضع التّعليل أو حال كذلك (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) الّذى هو دون النّهر مثل العيون القليلة الماء (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ينهار فينحدر من أعلى الجبل الى أسفله انقيادا لأمر الله التّكوينىّ أو يتناثر فيهبط من أطراف الأحجار الباقية في الجبل فيهبط انقيادا للأمر التّكوينىّ ، واستعمال الخشية مجاز أو محمول على انّ كلّ الممكنات لها علم وشعور وشوق وخوف وخشية (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) توعيد لهم ثمّ صرف