وثانيا وبالتّبع كلّ عهد وعقد والمراد بهم الّذين ينقضون عهد الله المأخوذ عليهم بالبيعة مع محمّد (ص) (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) وهم الّذين نكثوا بعد محمّد (ص) ولذا أتى بالفعل مستقبلا أو المراد هم الّذين نقضوا عهد الله المأخوذ عليهم من بعد ميثاقه والبيعة مع محمّد (ص) وخلفائه وأوصيائه (ع) والميثاق امّا اسم آلة بمعنى ما به الوثوق والأحكام ، أو مصدر بمعنى الأحكام والحاصل انّ المراد بالّذين ينقضون منافقوا الامّة الّذين بايعوا مع محمّد (ص) ثمّ نقضوا عهدهم الّذى عاهدوه بإطاعته في جميع أوامره ونواهيه.
بيان قطع ما امر الله به ان يوصل
(وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) بدل من ما ، أو من الضمير المجرور ، والقطع امّا بمعنى التّرك والمهاجرة فانّ قوله (ع) صل من قطعك بمعنى من هاجرك وتركك والمعنى يتركون ما أمر الله بوصله واصل ما أمر الله بوصله الولاية التكليفيّة الّتي هي ظهور الولاية التكوينيّة وسائر الأعمال الشرعيّة القالبيّة والأعمال القلبيّة والقرابات الرّوحانيّة والجسمانيّة من شعبها وأصل الكلّ علىّ (ع) أو القطع بمعنى قطع الحبل اى فصل كلّ من طرفيه عن الآخر وجعله حبلين والمعنى يقطعون حبلا بينهم وبين الله أو بينهم وبين الأقرباء امر الله بوصله من الولاية وشعبها ومن القرابات الرّوحانيّة والقرابات الجسمانيّة ، ويجوز ان يراد انّهم يقطعون الأعمال البدنيّة عن الأرواح الّتي هي الاذكار القلبيّة والأفكار الصدريّة والنيّآت الإلهيّة وقد امر الله بوصل الأعمال سواء كانت عبادات أو مرّ مات للمعاش الى الاذكار والأفكار.
تحقيق الإفساد في الأرض
(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) من قبيل عطف المسبّب على السّبب فانّ الإفساد في الأرض عبارة عن افناء مواليدها أو افناء كمالاتها أو منعها عن البلوغ الى كمالاتها المترقّبة لها أو تحريف كلماتها التكوينيّة أو التّدوينيّة عن مواضعها والقاطع عن الولاية مفن لاستعدادات قواه العلّامة والعمّالة للّسلوك الى الآخرة ومهلك لما تولّد بالعناية الإلهيّة من بذر الآخرة وزرعها ونسلها في ارض عالمه الصّغير وكذا في ارض العالم الكبير إذ الفاسد يفسد ما يجاوره على انّ الإفساد في ارض العالم الصغير إفساد في العالم الكبير ، وكذا في أراضى الكتب السّماويّة والشرائع الإلهيّة لانّه كما يحرّف كلمات عالمه الصغير وكذا كلمات العالم الكبير عن مواضعها يحرّف كلمات الكتب السّماويّة والشّرائع الإلهيّة.
(أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الّذين أهلكوا بضاعتهم الّتى هي لطيفتهم السيّارة الانسانيّة واستعدادها للعروج الى عالمها ، والإتيان باسم الاشارة البعيدة وضمير الفصل وتعريف المسند للاهانة واستحضارهم بالصّفات المذكورة والتّأكيد والحصر كأنّه لا خسران الّا في قطع الولاية (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) بعد ما ذكر حال المنافقين وأنّهم كفروا بنقضهم العهد ثمّ قطعوا وأفسدوا التفت إليهم فقال على سبيل التعجّب والإنكار : على أىّ حال تكفرون يعنى لا ينبغي لكم الكفر بحال من الأحوال فلا ينبغي لكم الكفر أصلا بالله بنقض عهده المأخوذ عليكم من بعد ميثاقه وهذا أوفق بما قبله ، ويحتمل ان يكون الخطاب لمطلق الكفّار والمؤمنين ، ويحتمل ان يكون الخطاب للمؤمنين خاصّة (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) حال عن الفاعل أو المجرور امّا بتقدير قد لتصحيح وقوع الماضي حالا ، أو لأنّ الحال في الحقيقة علمهم بمضمون تلك الجمل المتعاقبة لانّ انكار الكفر والتعجّب منه معلّل بعلمهم بذلك كأنّه قال وأنتم عالمون بتلك الأحوال ، والموت عدم الحيوة عمّا من شأنه ان يكون