بعد مسئلته الّتى سألها رسول الله (ص) وجوابه (ص) ايّاه عنها قال : يا محمّد بقيت واحدة وهي المسئلة الكبرى والغرض الأقصى من الّذى يخلفك بعدك ويقضى ديونك وينجز عداتك ويؤدّى أماناتك ويوضح عن آياتك وبيّناتك؟ ـ فقال رسول الله (ص) : أولئك أصحابى قعود ، فامض اليه فيبدو لك النّور السّاطع في دائرة غرّة ولىّ عهدي وصفحة خدّيه وسينطق طومارك بأنّه هو الوصىّ وسيشهد جوارحك بذلك فصار عبد الله الى القوم فرأى عليّا يسطع من وجهه نور يبهر نور الشّمس ونطق طوماره وأعضاء بدنه كلّه يقول : يا ابن سلام هذا علىّ بن ابى طالب (ع) المالئ جنان الله بمحبّيه ونيرانه بشانئيه ، الباثّ دين الله في أقطار الأرض وآفاقها ، والنّافى للكفر عن نواحيها وأرجائها فتمسّك بولايته تكن سعيدا ، واثبت على التّسليم له تكن رشيدا ، فقال عبد الله بن سلام : أشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد انّ محمّدا (ص) عبده ورسوله المصطفى ، وأمينه المرتضى ، وأميره على جميع الورى ، (الى ان قال) وأشهد أنّكما اللّذان بشّر بكما موسى (ع) ومن قبله من الأنبياء ودلّ عليكما المختارون من الأصفياء ثمّ قال لرسول الله (ص) : قد تمّت الحجج ، وانزاحت العلل ، وانقطعت المعاذير ، فلا عذر لي ان تأخّرت عنك ، ولا خير لي ان تركت التّعصّب لك ، ثمّ قال : يا رسول الله (ص) انّ اليهود ان سمعوا بإسلامي وقعوا فيّ فاخبأ بى عندك فاذا جاؤك فاسئلهم عنّى تسمع قولهم فيّ قبل ان يعلموا بإسلامي وبعده لتعلم أحوالهم فخبأه رسول الله في بيته ثمّ دعا قوما من اليهود فحضروه وعرض عليهم أمره فأبوا فقال : بمن ترضون حكما بيني وبينكم؟ ـ قالوا : بعبد الله بن سلام ، قال (ص) : واىّ رجل هو؟ ـ قالوا : رئيسنا وابن رئيسنا ، وسيّدنا وابن سيّدنا ، وعالمنا وابن عالمنا ، وورعنا وابن ورعنا ، وزاهدنا وابن زاهدنا ، فقال رسول الله (ص) : أرأيتم ان آمن بى أترضون؟ ـ قالوا : قد أعاذه الله من ذلك ، فقال : اخرج عليهم يا عبد الله وأظهر ما قد أظهره الله لك من أمر محمّد (ص) فخرج عليهم وهو يقول : أشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد انّ محمّدا (ص) عبده ورسوله المذكور في التّوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المدلول فيها عليه وعلى أخيه علىّ بن ابى طالب (ع) ، فلمّا سمعوه يقول ذلك قالوا : يا محمّد (ص) سفيهنا وابن سفيهنا ، وشرّنا وابن شرّنا ، وفاسقنا وابن فاسقنا ، وجاهلنا وابن جاهلنا ، كان غائبا عنّا فكرهنا ان نغتابه فقال عبد الله : هذا الّذى كنت أخافه يا رسول الله (ص) (الى آخر ما روى) (أَوَكُلَّما عاهَدُوا) اى ألا يرعوي هؤلاء اليهود الّذين أنكروا رسالة محمّد (ص) وخلافة علىّ (ع) بعد الآيات الواضحات الدّالّات على الرّسالة والامامة وكلّما عاهدوا (عَهْداً) مع الرّسول بمحاكمة واحد منهم مثل عبد الله بن سلام مثلا أو هؤلاء النّصّاب كلّما عاهدوا بمبايعة محمّد (ص) مثل بيعة الرّضوان بالتّسليم في جميع أوامره وترك الرّدّ عليه وترك مخالفته ومثل البيعة مع محمّد (ص) بغدير خمّ بخلافة علىّ (ع) ومع علىّ بخلافته ، وكلّما عاهدوا بدون البيعة ان لا يخالفوا محمّد (ص) وان يسلموا لعلىّ (ع) (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) اى في مستقبل أعمارهم لا يرعوون ولا يتوبون مع مشاهدتهم للآيات ومعاينتهم للدّلالات ، أو المعنى بل أكثرهم لا يصدّقون ولا يذعنون حين المعاهدة ، والإتيان بالشّرطيّة كلّيّة يدلّ على أنّ هذه عادتهم قديما وجديدا لا تنفكّ عنهم ، نسب الى رسول الله (ص) انّه قال : اتّقوا عباد الله واثبتوا على ما أمركم به رسول الله (ص) من توحيد الله ومن الايمان بنبوّة محمّد (ص) رسول الله ، ومن الاعتقاد بولاية علىّ (ع) ولىّ الله ، ولا يغرّنّكم صلوتكم وصيامكم وعباداتكم السّالفة أنّها تنفعكم ان خالفتم العهد والميثاق فمن وفى وفى له ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، والله ولىّ الانتقام منه ، وانّما الأعمال بخواتيمها (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) عطف باعتبار لازم قوله (أَوَكُلَّما عاهَدُوا) فانّه يفيد أنّ هذه ديدنهم