الملائكة : ما يصنع هذا الخاطي فينا فلم يرضه الله تعالى منهم وجعلهم معرضا لامتحانه ثمّ قال : اختاروا من بينكم من هو أصلح منكم فاختاروا ثلاثة من الملائكة أحدهم عزرائيل فهبطوا الى الأرض واختلط بهم طباع أهلها ولبسوا لباسهم ثمّ استعفى عزرائيل من الحكومة في الأرض فقبل الله منه ورفعه الى السّماء وبقي هاروت وماروت في الأرض بناحية بابل يحكمان بين النّاس في النّهار وإذا جاء اللّيل خلع منهما طباع البشر ورفعا الى السّماء فجاءت ذات يوم امرأة حسناء لمهمّ لها عندهما فوقعت في قلوبهما فراوداها الى ان قتلا السّائل وعلّما الاسم الأعظم لها فلمّا أرادا الاختلاط بها صعدت الى السّماء بواسطة الاسم الأعظم ومسخت كوكبا وهي هذه الزّهرة المعروفة ؛ والزّهرة كانت اسما لها ، وبقيا في الأرض بعد التّنبّه بأنّهما عصيا واختارا عذاب الدّنيا على عذاب الآخرة بمشورة جبرئيل فعلّقا في بئر في مغارة جبل من بابل. وقيل : كانت القضيّة في عهد إدريس (ع) واختيار عذاب الدّنيا كان بمشورة إدريس (ع) ومسئلته من الله. وقيل : انّهما كانا رجلين صالحين كانا في النّاس يحكمان بينهم وسميّا ملكين لصلاحهما ، ويؤيّده قراءة الملكين بكسر اللّام.
اعلم أنّ أمثال هذه من مرموزات الأنبياء والحكماء السّلف ولذا اختلف الأخبار وكتب السّير في نقلها ولمّا كانت من المرموزات وقد حملها العامّة على مفاهيمها العرفيّة الّتى لا يمكن تصحيحها بالنّسبة الى مقام الأنبياء والملائكة المعصومين عن الخطاء قرّرها المعصومون تارة وأنكروها أخرى فانّه نسب الى الامام الحسن العسكري (ع) انّه سئل عن هاروت وماروت وما نسب إليهما ممّا ذكر سابقا فقال الامام (ع) : معاذ الله من ذلك انّ ملائكة الله معصومون من الخطاء محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله (الى آخر ما قال فيهم) ووجه صحّتها انّ المراد بالملكين القوّتان العلّامة والعمّالة اللّتان أنزلهما الله من عالم الأرواح وجعل فيهما ما جعل في البشر من الطبائع المتضادّة والشّهوات المتخالفة والآراء المتناقضة وابتلاهما بالمرأة المتعطّرة المتزيّنة الّتى هي النّفس الانسانيّة وقد عبّر عنها في الأخبار بالمرأة ودعت النّفس القوّتين الى متابعتها وقد افتتنتا بشهواتها ولذّاتها ولم يتيسّر لهما التّمتع بها الّا بشرب خمر الغفلة وسجدة وثن الهوى وقتل الملك الزّاجر لهما الّذى أنزله الله تعالى معهما زاجرا لهما عن متابعة النّفس في أوّل الأمر ثمّ لمّا عزمتا على مخالطة النّفس واستحكم ذلك فيهما زال عنه قوّة الزّجر والمنع بغلبتهما عليه فصار سائلا متضرّعا ، ولمّا لم يتيسّر لهما التّمتع بها مع مسئلته قتلتاه بأمرها ثمّ وضعتا للوصول الى شهواتها الطرائق الخفيّة الّتى بها تتصرّفان في الطبيعيّات باستمداد من الأرواح الخبيثة وبهذا الاعتبار يسمّى سحرا ثمّ تعلّمت منهما ما ترتقى به عن عالم الملك وتتّصل بروحانيّات الكواكب العلويّة خصوصا روحانيّة الزّهرة الّتى هي المربيّة للنّسأ والمزيّنة والمراد بالمسخ المسخ الملكوتي لا الملكىّ ، ولمّا اتّصلت بروحانيّة الزّهرة قالوا مسخت بها وبقيتا في عالم الطّبع معذّبتين بأمره تعالى في خدمة الجسد ولوازمه في بئر له سبعمائة درجة باعتبار وفي الهواء باعتبار (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) من ذلك السّحر وإبطاله (حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) امتحان للخلق جعلنا الله امتحانا لهم حتّى يعلم من يجاهد في سبيله ولا يتعلّم ما يضرّ بدينه أو لا يستعمل ما يتعلّمه ممّا يضرّ ممّن لا يجاهد (فَلا تَكْفُرْ) بترك المجاهدة وتعلّم ما يضرّك أو استعماله وبادّعاء الانانيّة لنفسك ونسبة ما تعلّمته إليها مع انّه عارية من الله لها (فَيَتَعَلَّمُونَ) بترك نصحهما (مِنْهُما) من الملكين أو من الصّنفين اى السّحر وما أنزل على الملكين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) من الأعمال والأقوال والرّقىّ ويتركون نصائح الملكين ويضرّون