الكلّىّ والثّانى والثّالث النّسخ الجزئىّ والنّسخ في الكتاب هو النّسخ الكلّىّ والنّسخ في الاخبار الولويّة نسخ جزئىّ بحسب الأشخاص ، أو بحسب أحوال شخص واحد ، والنّسخ في الاخبار النّبويّة يجوز فيه الامران لانّ الكتاب الإلهيّ مشرع كلّ الامّة وأحكامه المنصوصة مشرع للكلّ ، ومنسوخه منسوخ عن الكلّ وناسخه ناسخ للكلّ ، وما يجرى فيه النّسخ الجزئىّ من الآيات فهو لا يعدّ من النّاسخ والمنسوخ بل يعدّ من المتشابهات ، وامّا الاخبار الولويّة فالنّسخ المذكور فيها لا يجوز ان يكون نسخا بالنّسبة الى كلّ الأمّة والّا لزم ان يكون الائمّة مؤسّسين للشريعة لا حافظين لشريعة محمّد (ص) والحال أنّهم حافظون للشريعة ، والنّسخ الجزئىّ عبارة عن رفع حكم عن شخص كان ذلك الحكم ثابتا له بأمر شرعىّ ، أو رفع حكم ثابت بالأمر الشّرعىّ من الحافظين للشريعة أو من الشّارع لشخص أو لجمع عن شخص آخر أو عن جماعة أخرى.
وفي الاخبار إشارات وتصريحات بذلك ونذكر شطرا منها لمزيد الاستبصار ؛ فنقول : روى في الكافي عن سليم بن قيس الهلالي انّه قال ، قلت لأمير المؤمنين (ع) : انّى سمعت من سلمان والمقداد وأبى ذرّ رحمهمالله شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبىّ الله (ص) غير ما في أيدى النّاس ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدى النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن وأحاديث عن نبىّ الله (ص) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل أفترى النّاس يكذبون على رسول الله (ص) متعمّدين؟ ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ ـ قال : فاقبل علىّ فقال : قد سألت فافهم الجواب ؛ انّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعامّا وخاصّا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتّى قام خطيبا فقال : ايّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار ثمّ كذب عليه من بعده وانّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس ؛ رجل منافق يظهر الايمان متصنّع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج ان يكذب على رسول الله (ص) متعمّدا فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله (ص) ورأه وسمع منه ؛ وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبرهم ووصفهم فقال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ، ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا الى ائمّة الضّلالة والدّعاة الى النّار بالزّور والكذب والبهتان فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب النّاس وأكلوا بهم الدّنيا وانّما النّاس مع الملوك والدّنيا الّا من عصم الله ؛ فهذا أحد الاربعة ، ورجل سمع من رسول الله (ص) شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمّد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله (ص) فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ؛ ولو علم هو أنّه وهم لرفضه ، ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئا أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ؛ أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ النّاسخ ؛ فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ؛ ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه ، وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (ص) مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله (ص) لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم النّاسخ من المنسوخ فعمل بالنّاسخ ورفض المنسوخ فانّ أمر النّبىّ (ص) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وخاصّ وعامّ ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله (ص) الكلام له وجهان وكلام عامّ وكلام خاصّ مثل القرآن وقال الله تعالى في كتابه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ؛ فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله ليس كلّ أصحاب رسول الله (ص) كان يسأله عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتّى ان كانوا ليحبّون ان يجيء