عن المعارضة وقلوبكم عن الحقد يتأتّى لكم اقامة الصّلوة فأقيموها ، أو المقصود وأقيموا الصّلوة حتّى يتأتّى لكم العفو والصّفح (وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى في اوّل السّورة بيان اقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : وقدّموا لأنفسكم إذا المقصود من مثله التّعريض بالأمر والإيجاب على المخاطب والمراد بالخير امّا الإحسان الى المسيئين كأنّه قال : فاعفوا واصفحوا وأحسنوا ، أو المراد منه كلّ فعل حسن فيكون ذكرا للعامّ بعد الخاصّ ويكون ، الإحسان المطلوب بعد مقام الصّفح مشارا اليه بذكر اقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة فانّ الإحسان لا يكون الّا بكسر سورة انانيّة النّفس والتّسليم الخالص لأمر الله وليسا الّا الزّكاة والصّلوة (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) مدّخرا لكم بنفسه على تجسّم الأعمال أو بحقيقته أو جزائه (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يشذّ عنه شيء لا يدّخر عنده (وَقالُوا) اى أهل الكتاب من اليهود والنّصارى وهو عطف على ودّ (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً) اسم جمع بمعنى اليهود ابتداء ، أو كان في الأصل جمعا لهائد بمعنى التّائب ، أو بمعنى الرّاجع الى الحقّ ، أو بمعنى الدّاخل في اليهوديّة ، على ان يكون من المشتقّات الجعليّة كالتّهويد والتّهوّد ، كعوذ جمع عائذ من دون تغيير ، أو كان أصله هوود بواوين ثمّ خفّف فصار هودا (أَوْ نَصارى) لفظة أو للتّفصيل اى كان قولهم هذا وذاك وقد مضى وجه تسمية النّصارى (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) المشار اليه مجموع ما سبق من عدم ودادهم نزول خير على المؤمنين ، وودادهم ارتدادهم عن الايمان ، وادّعائهم انّ الجنّة ليست الّا لأهل ملتّهم ، والامانىّ جمع الامنيّة مغيّر الامنوية كالاضحوكة بمعنى التّمنّى وترقّب حصول امر من دون تهيّؤ أسبابه وادّعائه من دون حجّة ولذا قال : يا محمّد (ص) (قُلْ) لهم ان لم يكن مدّعاكم محض تمنّى النّفس فاثبتوه بالحجّة (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم (بَلى) إثبات لما نفوه بقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى مَنْ أَسْلَمَ) أخلص (وَجْهَهُ) الوجه العضو المخصوص وما يتوجّه الشّيء به ونفس الشّيء والمعنى من أخلص جهة توجّهه أو ذاته (لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) في أفعاله أو محسن الى خلقه (فَلَهُ أَجْرُهُ) اللّائق به الّذى لا يمكن تعيينه الّا بالاضافة اليه (عِنْدَ رَبِّهِ) كأنّه للاهتمام به لم يكل أجره الى غيره (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) جمع الضّمير مع الإفراد في الضّمائر السّابقة باعتبار لفظ من ومعناه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قد مضى بيان هذه الآية في اوّل السّورة (وَقالَتِ الْيَهُودُ) عطف على قالوا ، أو على ما عطف هو عليه وهو إظهار لدعوى باطلة أخرى لهم من غير حجّة تفضيحا لهم بغرورهم وحمقهم وانّ ما قالوا في انكار رسالة رسول الله (ص) من هذا القبيل ولا يقولون قولا عن حجّة (لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) من الدّين (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) يعنى قالوا ذلك والحال أنّهم علماء تابعون للّشرائع أو علماء قارءون الكتب الإلهيّة والعالم لا يبرز دعوى بلا حجّة وفي الكتب الإلهيّة تأديبات وتعليمات لكيفيّة إظهار الدّعوى فالعاقل العالم القارئ للكتاب التّابع للشّرائع لا يظهر دعوى بلا حجّة وليس المقصود تكذيبهم في أصل دعواهم بل كلا الفريقين مصدّقان في أصل الدّعوى بعد نسخ أديانهما بدين محمّد (ص) ، أو المقصود