حتّى تكونوا مرضيّين عنده ، وورد في أخبار كثيرة انّ المراد أصحاب القائم (ع) وأنّهم المفتقدون من فراشهم المصبحون بمكّة وهذا وجه من وجوه تأويله (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على جمعكم في مكان واحد ومقام واحد ومحشر واحد مع اختلافكم في المكان والمقام (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) للسّفر في البلاد وللحركة في الشّؤن والتّقلّب في الأحوال (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ) اى شطر المسجد أو المسجد من حيث التّوجّه اليه أو التّوجّه الى شطر المسجد (لَلْحَقُ) اىّ الثّابت (مِنْ رَبِّكَ) أو الحقّ الّذى هو غير الباطل حالكونه من ربّك على ان لا يعتبر فيه معنى الوصفيّة والجملة حاليّة ، أو معطوفة على مقدّر ، أو باعتبار المعنى والتّقدير فانّه للحقّ من ربّك وهذا المعنى مستفاد من السّابق (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) قرئ بالياء وبالتّاء (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ولمّا كان المقام مقام السّخط على أهل الكتاب الكاتمين لوصف محمّد (ص) وموطنه ومهاجره وقبلتيه وكان ترك القبلة الّتى كانوا عليها مدّة أربع عشرة سنة وأشهرا مظنّة الإنكار من ضعفاء المسلمين ومورد الحجّة المرضيّة عند ضعفاء العقول من المعاندين والمسلمين ناسبه التّأكيد والتّكرار ووضع الظّاهر موضع المضمر كما فعل تعالى شأنه بتكرار الأمر بالتّولية نحو المسجد الحرام وتكرار قوله (مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) ، (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وعلم أهل الكتاب مع كتمانهم وأتى تعالى حين أمر الرّسول (ص) بتولية وجهه شطر المسجد بقوله : (مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) ، وحين أمر الأمّة بقوله : (حَيْثُ ما كُنْتُمْ) للاشعار بأنّ محمّدا (ص) لا مقام له في مقام وشأن بل هو دائم السّير والحركة وأنّ أمّته (ص) بالنّسبة اليه كأنّه لا حركة لهم من مقام الى مقام آخر ، ومن هذا يعلم انّ الخطاب في قوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) خاصّ بأمّته من غير مشاركته لهم (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) تعليل للأمر بالتّولية أو للتّولية والمعنى أمرناكم بالتّوجّه الى الكعبة لئلّا يرد عليكم من معانديكم حجّة صحيحة وهي انّ من علامات النّبىّ المبعوث في آخر الزّمان الصّلوة الى الكعبة أو الى القبلتين ، وحجّة كاسدة وهي انّه لو كان نبيّا لما تبع قبلة الغير وانّه لو كان ديننا باطلا كان قبلتنا باطلة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) اى وضعوا الشّيء في غير موضعه فانّهم يوردون عليك حجّة باطلة هي أنّه لو كان الصّلوة الى بيت المقدّس باطلة لكان صلوتهم في المدّة الماضية باطلة ، ولو كان صحيحة لكانت صلوتهم الى الكعبة باطلة (فَلا تَخْشَوْهُمْ) فانّ حجّتهم داحضة ومطاعنهم غير ضارّة (وَاخْشَوْنِي) فانظروا الى أمرى ونهيي ولا تنظروا الى غيري (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بإقبالكم الى الكعبة الّتى هي ظهور القلب وصورته كما سيأتى ان شاء الله والإقبال الى الكعبة منّبه على الإقبال الى القلب ، ومؤدّ اليه وتمام النّعمة في الإقبال الى القلب ولذا قال : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى القلب الّذى هو عرش الرّحمن من الإقبال الى الكعبة الّتى هي صورته (كَما أَرْسَلْنا) يعنى أتمّ نعمتي إتماما مثل إرسال الرّسول ، أو تهتدون اهتداء مثل الاهتداء بإرسال الرّسول ، أو هو متعلّق بقوله : (فَاذْكُرُونِي) ، أو (أَذْكُرْكُمْ) ، والفاء زائدة ، أو متعلّق بمحذوف يفسّره المذكور والمعنى اذكروني ذكرا يوازى نعمة إرسال الرّسول المستتبع لجميع الخيرات ، أو أذكركم مثل ذكركم بإرسالنا (فِيكُمْ) لا في غيركم (رَسُولاً مِنْكُمْ) يشابهكم في الجسد والبشريّة لا من غيركم