(وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) إذ ظرف لشديد العذاب ، أو لقوله لله ، أو ليرون ، أو بدل من العذاب ، أو من إذ الاولى ؛ والمعنى لو يرى الّذين ظلموا إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا المتبوعون ، أو الاتباع على قراءة المجهول والمعلوم (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الاتباع أو المتبوعين على القراءتين (وَرَأَوُا الْعَذابَ) حال بتقدير قد أو عطف على تبرّأ أو على اتّبعوا الاوّل أو الثّانى (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) جمع السّبب وهو الحبل الّذى يشدّ به الشّيء ويجرّ والأسباب استعارة للوصلات الّتى بينهم من القرابات وصور المبايعات الدّينيّة النّاشئة من مقام أنفسهم الشّيطانيّة والتّناسبات الدّنيويّة ، ولفظ بهم اما صلة تقطّعت على ان يكون الباء للتّعدية والمعنى شتّتهم الأسباب الّتى كانت بينهم وكانت سببا لاجتماعهم وتؤلّفهم في الدّنيا فانّها كانت لأغراض فانية وبين نفوس هالكة وكانت مانعة عن الالفة الرّوحانيّة الباقية فصارت أسبابا للفرقة في الآخرة أو لفظ بهم حال عن الأسباب تقدّم عليه والباء للإلصاق (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) الى الدّنيا لو للتمنّى ولذا نصب الفعل بعد الفاء في جوابه (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) هناك (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) هاهنا (كَذلِكَ) اى مثل اراءة اتّباعهم للرّؤساء المضلّين حسرة عليهم (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) جميعا (حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) يعنى كما انّ أصل اتّباعهم لرؤسائهم كان سببا لبعدهم عن الله وقربهم الى دار العذاب فتحسّروا عليه جميع أعمالهم الّتى عملوها كانت سببا لبعدهم وحسرة وندامة عليهم ، ونسب الى الصّادق (ع) أنّه قال في قوله عزوجل : (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ،) هو الرّجل يدع ما له لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصية الله فانّ عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له ، وان كان عمل به في معصية الله قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معصية الله عزوجل ، وهذا اشعار بوجه من وجوه التّأويل فانّ الممسك بخلا ليس الّا من اتّباع الجهل وان كان بحسب الظّاهر مؤمنا (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) حال عن فاعل قال أو فاعل اتّبعوا أو مفعول يريهم وفيه ردّ لتمنّاهم وتشديد عليهم بذكر تأبيد عذابهم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) من أنواع المأكول والمشروب ولا بأس بتعميم الاكل والآكل والمأكول فانّ القوى كلّها لها أكل ومأكول خاصّان بها ، والمراد نفى البأس أو إيجاب الاكل أو استحبابه بحسب الأشخاص بالنّسبة الى الاكل بالفم وسماع الأصوات الحسنة والنّظر الى الأمور المعجبة وشمّ الرّوائح الطيّبة ولمس الملموسات الشّهيّة وهو تعريض بمن يتحرّج عن أكل الطيّبات ولبس الملابس البهيّة وعن النّكاح وغيرها من حظوظ النّفس نعم صرف الهمّ إليها وجعلها غاية للخلقة أو ترك اتّباع الخلفاء أو اتّباع من لا يستأهل للاتّباع والعداوة مع من يستأهل للاتّباع كلّها حرام وكلّما فعل هذا التّارك للاتّباع كان حراما ، سواء أكل الجريش أو الشّهىّ ، وسواء لبس الخرق أو الجميل ، وسمع الصّوت المنكر أو الحسن وهكذا لكن ليس الحرمة بحسب ظاهر الشّريعة ، والتّابع للإمام (ع) إذا وجد انّ ارتكاب شيء من ملاذّ النّفس يقوّى دواعيه النّفسانيّة ويضعّف داعي العقل كان عليه الاجتناب منه وسنبيّن وجه اختلاف هذه الآية مع قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) في ترك الأكل والتحرّج بالطيّبات الّتى لم يحظرها الشّريعة أو في الاكل كما نبيّنه.