الى الخيال والواهمة ثمّ الى العاقلة فيعود الى ما منه بدأ ، فكلّ عمل يحصل صورته في المقامات العلميّة للإنسان نزولا وصعودا وقد عرفت انّ بعض مقاماته العلميّة غير خارج عن التقدّر والتّجسّم فالعمل يتصوّر في مقام تجسّم النّفس فيصحّ ان يقال انّ العمل تجسّم ولتجسّم الأعمال وجه آخر وهو انّ الله تعالى يوجد بعمل العبد من الأجسام الاخرويّة ما يشاء من الأنهار والأشجار والاثمار والحور والقصور ، بمعنى انّ الأعمال تكون مادّة هذه يعنى انّ الأعمال تتجسّم في عالمه الصّغير وينشأ في الكبير أمثال صورها في العالم الصّغير فانّ العالم الكبير كالمرآة للعالم الصّغير (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) عطف فيه دفع توهمّ فانّه قد يتوهّم انّ اعمال العباد كثيرة متدرّجة لا يمكن ضبطها حتّى يجزى بها العباد فقال تعالى دفعا لهذا الوهم : انّ الله يحاسب على الجليل والحقير والقليل والكثير ولا يعزب عنه شيء لانّه سريع الحساب ومن سرعة حسابه انّه ينظر الى حساب الكلّ دفعة واحدة وكما انّ الكلّ منظور اليه دفعة واحدة كلّ الأعمال من صغيرها وكبيرها يقع في نظره دفعة واحدة فلا يفوته حساب أحد ولا يعزب عنه شيء من عمل أحد ، وأنموذج محاسبة الله ومكافاته ومجازاته يكون مع العباد من اوّل التّكليف ولا يشذّ من أعمالهم حقير ولا جليل الّا يظهر شيء من مجازاته عليهم لو كانوا متنبّهين لا غافلين ولمعرفة هذا الأمر أمروا العباد بالمحاسبة قبل محاسبة الله فانّ العبد إذا حاسب نفسه بان يكون مراقبا لها ومحاسبا لاعمالها يظهر عليه انّ كلّ فعل من الخير والشّرّ يستعقب فعلا آخر أو عرضا من اعراض النّفس أو خلقا من أخلاقها ، فحاسبوا عباد الله قبل ان تحاسبوا حتّى تعلموا انّ الله لا يدع شيئا من اعمال العباد الّا يجازيه ولا يشغله عمل عامل منكم عن عامل آخر ، ولا يشذّ عنه حقير لحقارته (وَاذْكُرُوا اللهَ) عطف على قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ)(فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) فسّرت الايّام المعدودات بايّام التّشريق وهي ثلاثة ايّام بعد النّحر والذّكر بالمأثور من التّكبيرات عقيب الصّلوات الخمس عشرة من ظهر يوم النّحر الى صبح الثّالث عشر لمن كان بمنى ولغيره الى عشر صلوات الى صبح الثّانى عشر والتكبيرات المأثورات : الله أكبر ، الله أكبر ، لا اله الّا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر ، على ما هدينا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام. وقوله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) يدلّ على هذا التّفسير للايّام المعدودات فلا يعبأ بغيره والمراد التّعجيل في النّفر في اليوم الثّانى عشر والتأخير الى الثّالث عشر سواء قدّر من تعجّل في النّفر أو في الذّكر ، والمراد بتعجيل الذّكر تعجيل إتمامه في منى في الثّانى عشر وبتأخيره تأخير إتمامه الى الثّالث عشر (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ردّ على من اثّم المتعجّل من أهل الجاهليّة فانّ بعضهم كانوا يؤثّمون المتعجّل (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ردّ على جماعة اخرى كانوا يؤثّمون المتأخّر (لِمَنِ اتَّقى) اى هذا الحكم والتّخيير في النّفر بين الثّانى عشر والثّالث عشر لمن اتّقى الصّيد في إحرامه فان اصابه لم يكن له ان ينفر في النّفر الاوّل وهذا مدلول بعض الاخبار ، وفي بعض الاخبار لمن اتّقى منهم الصّيد واتّقى الرّفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه ، وفي بعض الاخبار ليس هو على ان ذلك واسع ان شاء صنع ذا وان شاء صنع ذا ؛ لكنّه يرجع مغفورا له لا اثم عليه ولا ذنب له يعنى ليس المقصود بيان التّخيير فقط بل بيان تطهيره من الذّنوب كيوم ولدته أمّه ان اتّقى ان يواقع الموبقات فانّه ان واقعها كان عليه إثمها ولم يغفر له تلك الذّنوب السّالفة بتوبة قد أبطلها بموبقاته بعدها وانّما تغفر بتوبة يجدّدها ، وفي بعض الاخبار : من مات قبل ان يمضى الى أهله فلا اثم عليه ومن تأخّر فلا اثم عليه لمن اتّقى الكبائر أو لمن اتّقى الكبر وهو ان يجهل الحقّ ويطعن على أهله ، ونسب الى الصّادق (ع) انّه قال : انّما هي لكم والنّاس سواء وأنتم الحاجّ وفي خبر أنتم والله هم انّ