آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) نسب الى الباقر (ع) انّه قال : كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم فأمر الله سبحانه ان يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو اشدّ ذكرا (فَمِنَ النَّاسِ) عطف نحو عطف التّفصيل على الإجمال باعتبار المعنى كأنّه قيل النّاس في ذكر الله أصناف أو قائم مقام جزاء شرط محذوف كأنّه قال : وإذا ذكرتم الله فأخلصوا نيّاتكم عن طلب الدّنيا لأنّ من النّاس (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) ولم يذكر المسؤل للاشعار بأنّه من جنس الدّنيا فلا حاجة الى ذكره بخلاف المؤمن فانّه لا يطلب في الدّنيا الّا ما هو مطلوب للآخرة ولذلك ذكر مطلوبه.
اعلم انّ الدّنيا معبر الكلّ لا وقوف لأحد فيها قد وكّل الله على كلّ نفس جنودا كثيرة يعنفونه السّلوك الى الآخرة لا يدعونه يقف آنا واحدا في مقام ، فالاحمق من يظنّ المقام فيها ويطلب من القادر الغنىّ ما يتركه ويذهب هو عنه فالطّلب للدّنيا من غاية العمى عنها وعن الآخرة ، ولمّا كان النّاظر الى الدّنيا أعمى عنها وعن ذهابها عنه وكان لا يطلب فيها للآخرة شيئا وما يطلب للدّنيا لا يبقى معه فيخرج من الدّنيا صفر اليد من متاع الدّنيا والآخرة قال تعالى (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب من الخير فانّه يستعمل في الخير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) قد فسّرت الحسنة في الدّنيا بنعيمها ، وبسعة الرّزق ، والمعاش ، وبحسن الخلق ، وبالعلم ، والعبادة ، وبالمرأة الصّالحة ، وباللّسان الشّاكر والقلب الذّاكر والزّوجة المؤمنة ، بل روى انّ من اوتى تلك الثلاثة فقد اوتى حسنة الدّنيا والآخرة ، والوجه في ذلك انّ المراد بحسنة الدّنيا ما يرجع الى القوى النّفسانيّة وحظوظها بحيث لا يعاوقها عن سلوكها الى ربّها ؛ ونعم ما قال المولوىّ قدسسره :
آتنا في دار دنيانا حسن |
|
آتنا في دار عقبانا حسن |
راه را بر ما چو بستان كن لطيف |
|
مقصد ما باش هم تو اى شريف |
(وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) يعلم حسنة الآخرة بمقايسة ما ذكر في حسنة الدّنيا (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) لمّا كان كلّ ما يسوء الإنسان من حيث انسانيّته من مظاهر الجحيم وآلامها سواء كانت من ملايمات الحيوانيّة أو لا فسّر عذاب النّار بالمرأة السوء والشّهوات والذّنوب وبالحمى وسائر الآلام (أُولئِكَ) العظام (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) يعنى من جملة ما كسبوا ومنها سؤالهم حسنة الدّنيا والآخرة يعنى لا يضاع عمل عامل منهم ، والمعنى لهم نصيب ناش ممّا كسبوا أو نصيب هو بعض ممّا كسبوا وهذا المعنى يشعر بصحّة تجسّم الأعمال كما عليه أهل المذهب وهو حقّ مثبت بالاخبار الكثيرة ويشعر به الآيات ويحكم به العقل ، فانّ التّحقيق ؛ انّ العلم ليس بصورة عرضيّة هي كيف للنّفس كما عليه المشّاؤن ، ولا بإضافة بين العالم والمعلوم كما قيل ، ولا بمحض مشاهدة ربّ النّوع أو صورة المعلوم في عالم المثال ، بل هو شأن من النّفس به يحصل سعتها والنّفس وشؤنها من عالم المتقدّرات والأجسام النّوريّة باعتبار مركبها المثالىّ وكلّ عمل يعمله الإنسان لا بدّ ان يتصوّره في مقامه المجرّد اجمالا ويصدّق بالغاية النّافعة المترتّبة عليه ثمّ ينزله من مقامه العالي الى مقامه الخيالىّ فيتصوّره بنحو التّفصيل والجزئيّة ويصدّق في ذلك المقام بغايته ثمّ يحدث له ميل اليه ثمّ عزم ثمّ اراده فتهيج الارادة القوّة الشّوقيّة وهي تبعث القوّة المحرّكة وهي تحرّك الاعصاب ثمّ الأوتار ثمّ العضلات ثمّ الأعضاء ثمّ يتدرّج العمل في الوجود ثمّ يعود متدرّجا كما يحدث متدرّجا من طريق الباصرة أو السّامعة الى الحسّ المشترك ثمّ