لرسالة العبد فيها من الله الى الخلق وفيها يرى العبد ويسمع من الملائكة يقظة ونوما ويسمّى ما به رسالته الى الخلق شريعة وسنّة ومن هاهنا يعلم وجه ما ورد في اخبار كثيرة من الفرق بين الرّسول والنّبىّ (ص) والمحدّث أو الامام : بأنّ الرّسول يسمع من الملك ويرى شخصه في المنام ويعاينه في اليقظة ، والنّبىّ يسمع ويرى في المنام ولا يعاين والمحدّث أو الامام يسمع ولا يرى ولا يعاين ، فانّ المحدّث كما علمت هو الّذى يبقى بعد فنائه من غير رجوع الى مملكته ومن غير احياء لأهل مملكته بالحيوة الملكيّة الاخرويّة حتّى يصير أهل مملكته اسناخا للملائكة فلم يكن له مدرك ملكي حتّى يدرك شيئا منهم لكنّ السّامعة لقوّة تجرّدها وموافقتها لذات الإنسان كأنّها لا تنفكّ عنه فاذا استشعر بذاته بعد صحوه استشعر بالسّامعة أيضا وحييت بحيوته الاخرويّة ، وإذا استشعر بالسّامعة سمع بقدر استشعاره من الملك والنّبىّ هو الّذى رجع بعد حيوته الى مملكته وأحيى الله تعالى له أهل مملكته بالحيوة الثّانية الاخرويّة المناسبة لأهل الآخرة من الملائكة من وجهتهم الاخرويّة لا من وجهتهم الدّنيويّة فيرى في المنام يعنى بالوجهة الاخرويّة للباصرة ويسمع في النّوم واليقظة لقوّة تجرّد السّامعة ومناسبتها لأهل الآخرة ولا يعاين ولا يلامس ، والرّسول هو الّذى رجع بعد رجوعه الى مملكته الى خارج مملكته لاصلاح أهل العالم الكبير ولا بدّ ان يكون أهل مملكته مناسبين لأهل الآخرة من الوجهة الاخرويّة والوجهة الدّنيويّة حتّى يتمّ له الدّعوة بالوجهة الدّنيويّة فيسمع ويرى ويشمّ ويذوق ويلامس في النّوم واليقظة ، ولا يذهب عليك انّ المراد بالرّسالة أعمّ من الرّسالة وخلافتها ، والمراد بالنّبوّة أعمّ من النّبوّة وخلافتها حتّى يشكل عليك ما ورد من الائمّة (ع) انّ الملائكة يطأون بسطنا ، ويلاعبون أطفالنا ، ويصافحوننا ، ونلتقط زغب الملائكة ، وانّهم يزورون في ليلة القدر ولىّ الأمر ، بل نقول : انّ السّالك النّاقص قد يطرو عليه تلك الحالات من الافاقة والرّجوع الى مملكته والى مملكة الخارج بل التّكميل لا يتمّ الّا بطروّ تلك الأحوال ، فالنّبىّ والرّسول لا بدّ لهما من حفظ مراتب كلّ من أهل الملك الصّغير أو الكبير ومراعاة حقوقهم وإبقاء كلّ بحيث يرجع الى الله والنّهى عن تضييع الحقوق وتعطيلها وافناء أهلها ومنعهم عن السّير الى الله والأمر بما يوجب حفظ الحقوق وما يعين على السّير المزبور. والإنسان خلق ذا مراتب عديدة وفي كلّ مرتبة منها له جنود وكلّ منها في بقائه محتاج الى أشياء ففي مرتبته النباتيّة والحيوانيّة يحتاج قواه النباتيّة والحيوانيّة وبقاء بدنه وبقاء نفسه النباتيّة والحيوانيّة والانسانيّة الى المأكول والمشروب والملبوس والمسكن والمركوب والمنكوح ، وفي التّوانى في كلّ منها تضييع لحقّ ذي حقّ أو افناء لذي حقّ ، وفي الإفراط فيها تعطيل لحقّها ولحقّ المراتب الاخر أيضا فالرّسول لا بدّ ان ينهى عن الطرفين ويأمر بالوسط فيها مثل قوله تعالى : كلوا فانّه امر بالأكل ونهى عن تركه ، ولا تسرفوا فانّه نهى عن الإفراط ، وهكذا الحال في الجميع ولمّا كان الإنسان بالفطرة جاذبا لما يحتاج اليه دافعا لمن منعه عنه فلو لم يكن قانون يرجع الكلّ اليه في الجذب والدّفع وقع التّدافع بينهم بحيث يكون تضييع الحقوق وافناء ذوي الحقوق أكثر من ترك الجذب والدّفع فلا بدّ ان يؤسّس الرّسول (ص) قانونا يكون ميزانا للجذب والدّفع ، وان يؤسّس لتأديب من خرج من ذلك القانون قانونا وان يمنع عن جذب ما في يد الغير بلا عوض وبما فيه خديعة النّاس فانّها من رذائل النّفس المانعة عن سيرها الى الله ، وبما فيه ذلّة النّفس مثل التملّق والسّؤال والسّرقة وغير ذلك ممّا فيه رذيلة من الرّذائل ، وبما فيه تعطيل الأرض عن التعمير وبما فيه افناء المال رأسا ، والقمار فيه خديعة النّاس وتعطيل الأرض وافناء المال من أحد الطّرفين رأسا بلا عوض ، وفي مرتبة الانسانيّة خلق ذا قوّة عاقلة مدبّرة لأمور أهل مملكته مسخّرة للواهمة المسخّرة للخيال المسخّر للمدارك والقوى الشّوقيّة المسخّرة للقوى المحرّكة المسخّرة للاعصاب والأوتار والعضلات والأعضاء فهو محتاج الى بقاء العاقلة بهذه الكيفيّة حتّى يحفظ الحقوق فالرّسول (ص) لا بدّ ان يأمر