وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) فانّ معناه هو يقبل التّوبة في مظاهر خلفائه فيكون معنى (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) انّ الله لا غيره في مظاهر خلفائه يقبض القرض ويبسط الجزاء (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) اى اشرافهم ومتكلّميهم قد مضى قبيل هذا وجه الإتيان بالرّؤية مع انّ حقّ العبارة ان يقال الم تذكر (مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا) إذ اسم خالص بدل من الملأ بدل الاشتمال أو ظرف للرّؤية (لِنَبِيٍّ لَهُمُ) اسمه شمعون بن صفيّة من ولد لاوى ، أو اسمه يوشع بن نون من ولد يوسف (ع) ، أو اسمه اشموئيل وهو بالعربيّة إسماعيل وهو المروىّ عن الصّادق (ع) وعليه أكثر المفسّرين (ابْعَثْ) أرسل واجعل (لَنا مَلِكاً) أميرا (نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) روى انّه كان الملك في ذلك الزّمان هو الّذى يسير بالجنود والنّبىّ يقيم له امره وينبئه بالخبر من عند ربّه (قالَ) النّبىّ (هَلْ عَسَيْتُمْ) هل ترقّبتم عسى يستعمل في ترقّب المرغوب واستعماله هاهنا مع طلبهم للقتال ورغبتهم فيه اشارة الى انّهم كانوا أصحاب نفوس كارهة للقتال راغبة في ترك الجهاد ولم يكن لهم عقول راغبة في الجهاد ومقصوده من الاستفهام تذكيرهم بكراهة القتال وتثبيتهم عليه بتعاهدهم على القتال (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وضع الظاهر موضع المضمر للاشارة الى انّهم في ذلك التّولّى ظالمون (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) كانت النّبوّة في ولد لاوى والملك في ولد يوسف ولم يجتمع النبوّة والملك في بيت واحد وطالوت كان من ولد بن يامين وسمّى طالوت لطول قامته بحيث إذا قام الرّجل وبسط يده رافعا لها نال رأسه قيل : كان سقّاء ، وقيل : كان دبّاغا ، وكان سبب سؤالهم ان يبعث الله لهم ملكا انّ بنى إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيّروا دين الله وعتوا عن امر ربّهم وكان فيهم نبىّ يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه ، وروى انّه كان ارميا النّبىّ (ص) فسلّط الله عليهم جالوت وهو من القبط فآذاهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم ففزعوا الى نبيّهم وقالوا : اسئل الله ان يبعث لنا ملكا ، فلمّا قال انّ الله بعث لكم طالوت ملكا أنكروا وقالوا : هو من ولد بنيامين وليس من بيت النبوّة ولا من بيت الملك ، فلا يجوز ان يكون له السّلطنة علينا لانّا من بيت النبوّة والملك ، (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) وشرط السّلطنة السّعة في المال حتّى يتيسّر له القيام بلوازم السّلطنة ، تعريض بوجه آخر لاستحقاقهم الملك دونه وهو كثرة مالهم (قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) جواب اجمالىّ يعنى ليس الملك بقياسكم وتدبيركم بل هو فضل من الله يؤتيه من يشاء وامّا الجواب التّفصيلىّ فانّ السّلطان ينبغي ان يكون عظيم الجثّة يهابه النّاس ، وكثير العلم ينظر عاقبة الأمور ؛ وتفضّل الله بهما عليه (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) وليس الإيتاء موقوفا على بيت دون بيت كما زعمتم فالمقتضى لاعطاء الملك موجود من قبل طالوت وهو اصطفاؤه بالبسط في العلم والجسم والمانع للمعطي مفقود فانّه امّا خارجىّ أو كون طالوت من غير بيت الملك أو كونه غير ذي سعة في المال أو جهله تعالى بأهليّته للملك وليس كذلك فانّه يؤتى ملكه من يشاء من غير مانع لا من الخارج ولا من قبل المعطى له (وَاللهُ واسِعٌ) يجبر قلّة سعة طالوت بسعته (عَلِيمٌ)