عدل عن اسم الرّبّ وقال : فانّ الله يأتى ؛ باسم الجلالة حتّى لا يتأتّى له التّمويه بوصف المسند اليه ولا بوصف المسند (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ) البهت كالنّصر الانقطاع والتّحيّر وفعلهما كعلم ونصر وكرم وعنى والوصف مبهوت لا باهت وقرء مبنيا للفاعل ومبنيّا للمفعول والمعنى فانقطع حجّته أو تحيّر (الَّذِي كَفَرَ) اى نمرود (وَاللهُ لا يَهْدِي) جملة حاليّة والمعنى فانقطع حجّته والحال انّه لم يكن له معين يعينه فانّ المعين ليس الّا الله والله لا يهدى (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) على أنفسهم ثمّ على الخلق ثمّ على خلفاء الله (أَوْ كَالَّذِي) عطف على صلة الموصول اى الم تر الى الّذى كالّذي (مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) وقيل في اعرابه وجوه أخر والمارّ كان عزير النّبىّ (ع) أو ارمياء (ع) وهما مذكوران في الاخبار ، وقيل : كان خضرا والقرية بيت المقدّس حين خرابه بجنود بختنصّر ، وقيل : الأرض المقدّسة اى الشام ، وقيل : القرية الّتى خرج منها الألوف فقال لهم الله : موتوا (وَهِيَ خاوِيَةٌ) خالية أو خربة وعليهما فقوله تعالى : (عَلى عُرُوشِها) حال أو ساقطة على سقوفها بمعنى انّ سقوفها سقطت ثمّ سقطت جدرانها على سقوفها ، (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ) اى أهل هذه القرية أو انّى يعمر هذه القرية (اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) اى موت أهلها أو خرابها وانّما قال ذلك استعظاما لأمرها لا إنكارا لقدرة الله عليها (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) يعنى انظر الى قدرة الله وعجيب صنعه في انّ طعامك وشرابك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) في طول هذه المدّة ، والهاء للسّكت والمعنى لم يتغيّر (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف صار رميما وتفرّقت عظامه مع بقاء طعامك وشرابك (أَوْ) فعلنا ذلك بك (لِنَجْعَلَكَ) أو فعلنا ذلك بك لتصير موقنا مشاهدا ولنجعلك (آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) عظام بدنك وعظام حمارك (كَيْفَ نُنْشِزُها) نرفعها ونركّب بعضها على بعض وقرء بالرّاء المهملة من باب الأفعال ومن الثلاثىّ المجرّد (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) وشاهد ما علمه سابقا بعد إماتته مائة عام (قالَ) النّبىّ (أَعْلَمُ) على قراءة المضارع أو قال الله اعلم على قراءة الأمر وقد ذكر في الاخبار وجوه لا ماتة هذا النّبيّ (ع) وتفاصيل لكيفيّتها من أراد فليرجع الى المفصّلات (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه الأحياء بعد الاماتة (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) عطف على مجموع (إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) أو على الموصول المجرور ب إلى واشارة الى وجه آخر لإخراج المؤمن من ظلمات حجاب العلم الى نور العيان ، أو عطف على قوله (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) على ما نقل انّه قال بعد قول نمرود انا أحيى وأميت انّ احياء الله بردّ الرّوح الى بدن الميّت فقال نمرود : وهل عاينته؟ ـ فلم يقدر ان يقول : نعم ، فسأل الله بعد ذلك في الخلوة وقال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) حتّى أجيب به نمرود (قالَ) الله (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أو لم تذعن بانّى اقدر على ذلك وافعل ذلك في الآخرة؟ ـ (قالَ بَلى) أذعنت بذلك وأيقنته (وَلكِنْ) اسأل ذلك (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بالعيان بعد البيان ، اعلم انّ الظّنّ كما سبق يطلب العلم بالمظنون والعلم يطلب الشهود والعيان ، والعيان يجذب التّحقّق ويحرّك كلّ صاحبه ولا يدعه يسكن عن الطّلب حتّى يوصله الى ما فوقه ، فقال : إبراهيم (ع) بعد العلم بذلك : انّ علمي يهيّجنى ويجعل قلبي مضطربا في طلب العيان فأطلب العيان ليطمئنّ قلبي (قالَ فَخُذْ) الفاء