مجاورة الهواء المرتفع الرّطب ، والطّل ما يقع في اللّيل على النّبات شبه الثّلج (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير عن ابطال الإنفاق بالمنّ والرّياء وترغيب في إخلاص الإنفاق لله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) تمثيل آخر لمن أنفق ثمّ أبطل إنفاقه بالمنّ والأذى بعده كما انّ المثال السّابق كان لمن كان إبطاله مع الإنفاق فانّه شبّه الإنفاق الّذى هو غرس في جنّة القلب للآخرة بجنّة كذا وصاحبه بصاحب الجنّة في حال شدّة الاحتياج من اصابة الكبر وكونه معيلا وعياله ذرّيّة ضعفا ومنّه وأذاه بنار أتت فاحترقت جنّته حالكونه لا يرجو غيرها لكنّه ادّاه بالاستفهام الانكارىّ تجديدا للاسلوب لتنشيط السّامع وتهييجه للاستماع وتأكيدا في التحذير عن المنّ والأذى (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) يعنى تكون الجنّة منهما لكن كان في خلالهما سائر أنواع الأشجار ، ويجوز ان يراد بالثّمرات مطلق المنافع من الثّمرات والحبوب وغيرها (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) حتّى يضعف عن القيام بأمر ذرّيّته ويكون كفاية ذرّيّته من تلك الجنّة (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) عجزة عن الاكتساب (فَأَصابَها إِعْصارٌ) الاعصار الرّيح المثيرة للسّحاب ، أو الّتى فيها نار ، أو الّتى تهبّ من الأرض كالعمود نحو السّماء مستديرة ، أو الّتى فيها العصار اى الغبار الشّديد (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ) اى مثل بيان هذه الأمثال للإنفاق الخالص ولإبطاله (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الانفسيّة وغيرها (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) وتنتقلون من ظاهر الأمثال الّتى هي الآيات الآفاقيّة الى الممثّل لها الّتى هي الآيات الانفسيّة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أراد ان يذكر حال المنفق بعد ما ذكر الإخلاص في الإنفاق وانّ المنفق ينبغي ان يكون جيّدا محبوبا للنّفس لا خبيثا مكروها لها ، فنادى المؤمنين تهييجا لهم بلذّة المخاطبة والنّداء وقال : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) حلاله وجياده (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) اى من طيّبات حبوبكم واثماركم والمستخرجات من معادنكم ، عن الصّادق (ع) كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة فلمّا أسلموا أرادوا ان يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها فأبى الله تبارك وتعالى الّا ان يخرجوا من طيّبات ما كسبوا (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) تيمّمه قصده وكأنّه مبدل الياء من الهمزة وقرء تؤمّموا وتيمّموا من باب التفعيل والخبيث الردىّ (مِنْهُ) ممّا كسبتم أو ممّا أخرجنا لكم أو من كلّ واحد على ان يكون متعلّقا بتيمّموا أو من الخبيث على ان يكون متعلّقا بقوله تعالى (تُنْفِقُونَ) والجملة حال أو مستأنفة (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) نزلت في أقوام لهم اموال من ربوا الجاهليّة وكانوا يتصدّقون منها ، وفي خبر آخر انّها نزلت في أقوام كانوا يجيئون بالحشف فيدخلونه في تمر الصّدقة ، وفي خبر آخر إذا امر رسول الله (ص) بالنّخل ان يزكّى يجيء قوم بألوان من التّمر هو من أردى التّمر يؤدّونه من زكوتهم تمرة ، يقال له الجعرور والمعافارة قليلة اللّحا عظيمة النّوى وكان بعضهم يجيء بها عن التّمر الجيّد فقال رسول الله (ص) لا تخرصوا هاتين التّمرتين ولا تجيئوا منهما بشيء وفي خبر آخر انّها نزلت في صدقة الفطر كانوا يأتون بها الى مسجد رسول الله (ص) وفيها أردى التّمر ويستفاد من مجموع الاخبار انّه لا اختصاص للطيبّ بالحلال ولا للخبيث بالحرام ولا للصّدقة بالواجبة ولا للواجبة بزكوة المال (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) يعنى انّ المحتاج قد يقبل الردىّ لحاجته والله غنى لا يقبل الردىّ أصلا (حَمِيدٌ)