بسم الله ينبّه على الثّانى واسم الشيء علامته وكلّ لفظ وضع لجوهر أو عرض من غير اعتبار نسبة فيه ، وأسماء الله عبارة عمّا يدلّ عليه تعالى من لفظ أو مفهوم أو جوهر عينىّ ولا اختصاص لها بالأسماء اللّفظية أو المفاهيم الذّهنيّة فانّ اطلاق الاسم في الاخبار على الذّوات العينيّة كثير وسيجيء تحقيق تامّ للاسم في اوّل البقرة عند قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) والفرق بين الاسم والصّفة إذا اعتبر في الاسم معنى من المعاني كالفرق بين المشتقّ ومبدء الاشتقاق كالعلم والعالم فانّ الاوّل مأخوذ بشرط لا ولذلك لا يصدق على الذّات الموصوفة به والثّانى مأخوذ لا بشرط شيء ولذلك يصدق على الذات الموصوفة به وليست الذّات معتبرة في المشتقّ لانّه إذا فرض علم مجرّد قائم بذاته يصدق عليه العالم بل نقول ذات الباري جلّت عظمته علم مجرّد قائم بذاته كما انّه عالم. وللاسم اعتبار انّ اعتبار كونه اسما ومرآة للمسمّى ، وبهذا الاعتبار لا يكون له نفسيّة ولا وجود مغاير للمسمّى بل يكون وجوده وجود المسمّى ورقيقة منه ونفسيّته نفسيّة المسمّى ولذلك لا يكون الحكم في الكلام الّا على المسمّى ولا يكون النّظر الّا الى المسمّى فانّ قولك جاء زيد لا يكون النّظر فيه ولا الحكم الّا على المسمّى ، والآخر اعتبار كونه موجودا مغايرا للمسمّى منظورا اليه محكوما عليه وبهذا الاعتبار يكون هو كالمسمّى امرا موجودا مستقلا محكوما عليه مغايرا للمسمّى وبهذا الاعتبار يصير الاسم مسمّى وله أسماء مثل قولك زيد لفظ مركّب من ثلاثة أحرف فانّ زيدا في هذا القول له أسماء عديدة مثل الاسم واللّفظ والكلمة والمركّب والموضوع والدّال والعلم وغير ذلك وبهذا الاعتبار لا يكون مظهرا ومرآة للمسمّى ولا دالّا عليه ولمّا كان جملة العالم برمّتها أسماء لله تعالى كان هذان الاعتباران ثابتين لها والى هذين الاعتبارين أشار تعالى بقوله (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ) يعنى ليست هي مسمّيات ومنظورا إليها ومستقلّات مغايرات لله سمّيتموها أنتم يعنى انّكم صرتم محجوبين عن المسمّى ناظرين الى الأسماء من حيث انّها مستقلّات في الوجود جاعلين لها مسميّات فصرتم مشركين وكافرين لهذا النّظر ، والنّاس في النّظر الى الأشياء مختلفون فناظر ينظر إليها من حيث انّها أسماء الله غافلا عن وجودها وعن النّظر إليها أو شاعرا بالنّظر إليها ، وناظر ينظر إليها من حيث انّها مسميّات غافلا عن المسمّى ، وناظر ينظر إليها مستقلّات والى المسمّى والاوّل وهو الّذى ينظر الى الأشياء من حيث انّها أسماء غافلا عن النّظر إليها أو شاعرا بالنّظر إليها هو الّذى يعبد المسمّى بإيقاع الأسماء عليه ويكون موحّدا ، والّذى ينظر الى الأسماء من حيث انّها مسميّات مستقلّات غافلا عن المسمّى هو الّذى يعبد الاسم دون المسمّى ويكون كافرا وهذا حال أكثر النّاس ، والّذى ينظر الى الأسماء حالكونها مسمّيات مستقلّات والى المسمّى حالكونه مسمّى مستقلا مغايرا مباينا عن الأسماء هو الّذى يعبد الاسم والمسمّى ويكون مشركا ، والنّاظر الى الأسماء من حيث انّها أسماء غافلا عن نظره إليها هو المجذوب الّذى رفع القلم عنه ولا حكم له في الكثرات ولا تكليف ، والنّاظر إليها من حيث انّها أسماء شاعرا بنظره هو الكامل الجامع للطّرفين ، وهذا الكامل امّا يكون استشعاره بالأسماء غالبا على استشعاره بالمسمّى أو يكون استشعاره بالمسمّى غالبا أو يكون استشعاره بالطّرفين على السواء والاوّل هو الواقع في النشأة الموسويّة والثّانى هو الواقع في النشأة العيسويّة والثالث هو الّذى يراعى حقوق الكثرات والوحدة بحيث لا يهمل من حقوق الطّرفين شيئا وهو الواقع في النشأة المحمّديّة (ص) الجامعة للكثرة والوحدة بحيث لا يشذّ شيء من حقوقهما ، والى النشئات الثّلاث أشار تعالى بقوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ؛) الآية ، فاشار بقوله (ذلِكَ : مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) ؛ الى النشأة