الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر قديما ، وقدّمهما على الايمان لانّ حدوث الايمان المذكور كان بعد الأمر والنّهى المذكورين ، أو لانّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر يدلّان على الايمان فطريّهما على فطريّة وتكليفيّهما على تكليفيّة (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ولمّا كان للايمان بالله درجات والمؤمن السّالك الى الله يحصل له كلّ يوم درجة من الايمان غير ما في السّابق أتى بالايمان أيضا مضارعا دالّا على التجدّد ، وما قيل : انّما اخّر الايمان مع انّه حقّه ان يقدّم لانّه قصد بذكره الدّلالة على انّهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ايمانا بالله وتصديقا به وإظهار لدينه ليس في محلّه لانّ هذا المعنى يستفاد من التّقديم أيضا بل مقتضى التّرتيب الذّكرىّ الدّلالة على انّهم آمنوا بالله لكونهم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر كما بينّاه خصوصا مع ملاحظة ما ورد عنهم انّ الواو في القرآن يفيد التّرتيب مع انّ الأغلب انّ التّرتيب الذّكرىّ يكون للترتيب المعنوىّ. وعن الصّادق (ع) انّه قرء عليه (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) فقال : خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين (ع) والحسن (ع) والحسين بن علىّ (ع) فقال القارى : جعلت فداك كيف نزلت؟ ـ فقال : نزلت كنتم خير ائمّة أخرجت للنّاس ألا ترى مدح الله لهم : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) والاخبار في انّ النازل من الله خير ائمّة وانّ المراد بهم محمّد (ص) وأوصياؤه كثيرة ، ولمّا كانت الامّة تطلق على من يؤتمّ به وعلى من يأتمّ بغيره يجوز ان يراد بالامّة معنى الائمّة ، ويجوز ان يكون مرادهم من خير ائمّة انّ الآية بهذا المعنى نزلت لا بالمعنى الّذى توهّموه (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) عطف على قوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) أو على قوله تأمرون على ان يكون مستأنفا وكان المناسب ان يقول ولو امر أهل الكتاب بالمعروف ونهوا عن المنكر وآمنوا (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) لكن لمّا لم يكن فطرتهم فطرة الأمر بالمعروف قبل الايمان ولا تكليفهم الأمر بالمعروف بعد الايمان الّا بعد الكمال في الايمان وأراد تعالى ان يقول : لو حصل لهم أصل الايمان من دون التفات الى الاستكمال فيه اقتصر على الايمان (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) كأنّه قيل : اما آمن منهم أحد؟ ـ فقال جوابا له : منهم المؤمنون الّذين آمنوا بمحمّد (ص) قبل مبعثه وبعد بعثته مثل الأنصار من يهود مدينة ومثل بعض النّصارى من أهل الحبشة وأهل اليمن (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون من مقتضى دينهم وكتابهم ووصيّة نبيّهم وللاشارة الى هذا المعنى لم يقل أكثرهم الكافرون (لَنْ يَضُرُّوكُمْ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل يضرّ الفاسقون منهم بنا؟ ـ فقال : لن يضرّوكم (إِلَّا أَذىً) الّا ضررا يسيرا هو الأذى فالاذى مفعول مطلق نوعىّ من غير لفظ الفعل والاستثناء مفرّغ (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) يعنى ان فرض ضرر المقاتلة فالعاقبة لكم لانّهم ان يقاتلوكم (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) عطف على مجموع لن يضرّوكم (الى آخره) أو على جملة الشّرط والجزاء يعنى بعد الضّرر اليسير والمقاتلة لا ينصرون ، أو بعد المقاتلة لا ينصرون ، ويجوز ان يكون ثمّ للترتيب في الاخبار وقرئ لا ينصروا مجزوما معطوفا على الجزاء والآية من الاخبار الآتية وتدلّ على نبوّة النّبىّ (ص) لوقوع المخبر عنه بعد الاخبار كما أخبر (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) المحيطة بهم كالبيت المضروب عليهم في الدّنيا بالصّغار والجزية كاليهود والنّصارى الّذين رضوا بالجزية أو في الانظار كاليهود الّذين لا يوجدون الّا ذليلين في الدّنيا في الأمصار والانظار أو بالمغلوبيّة بالحجّة ، أو في الآخرة والإتيان بالماضي لتحقّق وقوعه (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) وجدوا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) هو الفطرة الّتى