منقطعة عمّا قبلها ، أو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما لنا يرد علينا البلايا في أموالنا وأنفسنا؟ ـ فقال : أقسم بالله على سبيل التّأكيد بالقسم ولامه ونون التّأكيد لتبلونّ ولتمتحننّ حتّى يخرج ما ينافي الايمان من وجودكم ويخلص ايمانكم ممّا خالطه من الأغراض الفاسدة الشّيطانيّة والاهوية الكاسدة النّفسانيّة فأشار بلفظ لتبلونّ الى انّ الابتلاء (فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) لان يخلصكم ممّا لا ينبغي ان يكون خليط ايمانكم ، والابتلاء في الأموال بتكليف إخراج الحقوق منها أو تكليف قضاء الحوائج وحفظ النّفوس والحقوق وصلة الأرحام بها ، أو باتلافها بآفات ارضيّة وسماويّة ، والابتلاء في النّفوس بتكليف الجهاد والحجّ وسائر العبادات ، أو بالآفات البدنيّة والنّفسيّة (وَلَتَسْمَعُنَ) ذكر للخاصّ بعد العامّ للاهتمام به فانّ سماع الأذى ابتلاء في الأنفس (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) اليهود والنّصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) اى قولا فيه أذى كثير لكم كهجاء الرّسول (ص) والطّعن في دينكم ولمز المؤمنين والتّخويف بالقتل والأسر والنّهب والشّماتة بكم وغير ذلك ، وهذا اخبار على سبيل التّأكيد حتّى يوطّنوا أنفسهم عليه فلا يضطربوا في دينهم ولا في أنفسهم حين ورودها عليهم (وَإِنْ تَصْبِرُوا) ولا تضطربوا في الدّين ولا تخرجوا بالجزع عن الثّبات في الدّين ولا تتبادروا الى المكافاة بالألسن أو الأيدي (وَتَتَّقُوا) عن المكافاة بالاساءة إليهم وعمّا يخالف رضى الله تتمكّنوا في دينكم وتتفضّلوا بصفة العزيمة والثّبات (فَإِنَّ ذلِكَ) الصّبر والتّقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ممّا يعزم عليه من الأمور اى ممّا ينبغي ان يعزم ويوطّن النّفوس عليه (وَ) اذكروا يا أمّة محمّد (ص) (إِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) حتّى تكونوا على ذكر منه فلا تصيروا مثلهم بان تتركوا الميثاق الّذى يأخذه محمّد (ص) عليكم بولاية علىّ (ع) وبان تبيّنوا ولايته لمن غاب عنكم بقوله (ص): الا فليبلغ الشّاهد الغائب منكم فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه ؛ فهو تعريض بالامّة وعطف باعتبار المعنى كأنّه قال : ولتسمعنّ من الّذين أوتوا الكتاب أذى كثيرا فكونوا ذاكرين له واذكروا إذ أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب على أيدي أنبيائهم وخلفاء أنبيائهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ) اللّام لام جواب القسم لأنّ أخذ الميثاق قائم مقام القسم ، والهاء راجع الى الكتاب أو الى الميثاق ، وفي أخبارنا انّه راجع الى محمّد (ص) وانّ التّقدير إذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب في محمّد (ص) لتبيننّ محمّد (ص) إذا خرج (لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) وقرئ الكلمتان بالغيبة وقراءة الخطاب على حكاية حال التّخاطب (فَنَبَذُوهُ) اى الكتاب أو الميثاق أو تبيين محمّد (ص) (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فلم يراعوه وهذه الكلمة صارت مثلا في العرب والعجم لترك الاعتداء بالمنبوذ (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) من اعراض الدّنيا وأغراضها وهذا من قبيل الاضراب من الأدنى الى الأبلغ في الذّمّ فكأنّه قال : بل لم يكتفوا بالنبذ وجعلوه آلة التّوسّل الى حطام الدّنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) في نفسه فانّ حطام الدّنيا لو لم يكن وسيلة الى الآخرة كان مذموما ومن حيث الاشتراء والاستبدال حيث استبدلوا بالنّفيس المقصود الخسيس الغير المقصود (لا تَحْسَبَنَ) جواب لسؤال ناش من سابقه كأنّه قيل : ما حال هؤلاء؟ ـ فقال : لا تحسبنّهم بمفازة من العذاب وانّما وضع الظّاهر موضع المضمر للاشارة الى ذمّ آخر لهم (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) اى عملوا كانوا يعجبون بأعمالهم الفاسدة مثل أهل هذا الزّمان ويباهون بأفعالهم الكاسدة وكان الضّعفاء يحسبون انّهم على شيء ويحمدونهم على