ما قالوه من أفعالهم فردع الله الضّعفاء عن ذلك الحسبان واثبت لهم العذاب بأعمالهم وإعجابهم وذلك لانّ الأعمال ان كانت من قبيل العبادات فان نقصت من انانيّة العامل شيئا صارت عبادة ، وان لم تنقص منها أو زائدتها كانت وبالا وعصيانا ، وان كانت من قبيل المباحات ؛ فان لم تزد في الانانيّة بقيت على إباحتها ، وان زادتها لم تبق على إباحتها بل صارت وبالا ، وان كانت من قبيل المرجوحات مكروهة كانت أو محرّمة ؛ كانت بذاتها وبالا وعصيانا ، والاعجاب بالعمل ليس الّا من زيادة الانانيّة ورؤية النّفس وعملها ، فالمعجب بالعمل يجب عليه الاستغفار من ذلك العمل لا الافتخار والفرح به حيث انّه عمل عملا جرّه الى النّار وان كان بصورة العبادة (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) من الطّاعات والأفعال المرضيّة (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد لزيادة الرّدع عن هذا الحسبان وقرئ لا تحسبنّ بخطاب المفرد في كليهما على ان يكون الخطاب لمحمّد (ص) أو لكلّ من يتأتّى منه الخطاب وقرئ بخطاب الجمع في كليهما على ان يكون الخطاب له وللمؤمنين وحينئذ يكون المفعول الاوّل الّذين يفرحون والمفعول الثّانى قوله تعالى (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) وقوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد للاوّل وقرئ بالغيبة في كليهما مع الإفراد في الاوّل والجمع في الثّانى على ان يكون الّذين يفرحون فاعلا للاوّل وضمير الجمع فاعلا للثّانى (وَلَهُمْ عَذابٌ) جملة حاليّة بلحاظ النّفى لا المنفىّ والمعنى لا تحسبنّهم في منجاة أو ناجين من العذاب حالكونهم لهم عذاب (أَلِيمٌ) بإعجابهم بأعمالهم الفاسدة المردودة وان كانت بصورة العبادات (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ) اى سماوات الأرواح (وَالْأَرْضِ) اى ارض الأشباح النّورانيّة والظّلمانيّة فانّ كلّما كان فيه جهة الفاعليّة أظهر وجهة القبول أخفى كان باسم السّماء أجدر ، وما كان بالعكس فباسم الأرض أحرى ، والجملة امّا حال عن فاعل اشتروا به ثمنا قليلا أو عطف عليه ، وجملة (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) (الى آخرها) معترضة والمعنى انّهم انحرفوا عن الله واشتروا بميثاقه ثمنا قليلا من اعراض الدّنيا والحال انّ الله ملك السّماوات والأرض فمن انحرف عنه لطلب ما في ملكه كان مخطئا في طلبه لانّه من كان يريد حرث الدّنيا فعند الله حرث الدّنيا والآخرة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على إعطاء ما يشترون بالميثاق من دون الاشتراء ويقدر على إتلاف ما يشترون بميثاقه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استيناف جواب لسؤال مقدّر للتّعليل على مالكيّته وعموم قدرته لانّ فيهما وفي تنضيدهما وتعانقهما وتعاشقهما واختلاف حركات السّماوات وأوضاع كواكبها واختلاف أوضاعها وظهور الآثار المختلفة منها في الأرض (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بتعاقبهما وتخالفهما بالزّيادة والنّقيصة وبالآثار المترتّبة عليهما من اختلاف فصول الأرض وتوليد المركّبات التامّة والنّاقصة (لَآياتٍ) دالّة على علمه تعالى وحكمته وعموم قدرته ومالكيّته وكمال عنايته بخلقه (لِأُولِي الْأَلْبابِ) وهم الّذين بايعوا البيعة الخاصّة الولويّة وقبلوا الدّعوة الباطنة واقرّوا بولاية علىّ (ع) فانّ غيرهم وان بلغ ما بلغ في العلم والزّهد والتّقوى والعبادة بحيث لو عبد الله سبعين خريفا قائما ليله صائما نهاره لم تكن منه مقبولة ولأكبه الله على منخريه في النّار لانّه لم يكن له لبّ ولا لعمله مقدار ، واولو الألباب هم الّذين يستدلّون بدقائق الصّنع على دقائق الحكمة الدّالّة على عموم القدرة وعموم المالكيّة لله (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) في جميع أحوالهم فانّ صاحب اللّبّ الّذى قبل الولاية وصار ذا لبّ بتلقيح الولاية لا يخلو في أحواله من ذكر الله وان أنساه الشّيطان ذكر ربّه حينا ما تذكرّ فاستغفر على اىّ حال كان (قِياماً وَقُعُوداً) يجوز في كلّ منها ان يكون مصدرا وان يكون جمعا