النّازلة على الأنبياء من علويّة علىّ (ع) هذا ان كان ما انزل من قبلك معطوفا على ما انزل إليك ، وان كان جملة حاليّة ولفظة ما نافية أو استفهاميّة فالمعنى وما أنزل ، ما أنزل إليك من الشّرائع والقرآن أو الولاية من قبلك ، أو اىّ شيء أنزل من قبلك على معنى الإنكار اى ليس ما أنزل إليهم بشيء في جنب ما أنزل إليك.
(وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيقان إتقان العلم بحيث لا يعتريه شكّ وارتياب ولا يشوبه تقليد واعتياد والحصر المستفاد من تقديم الضّمير سواء كان مسندا اليه أو للفصل اشعار بانّ الإيقان الّذى هو من صفات العقلاء مختصّ بهؤلاء الموصوفين بما ذكر دون غير هم فانّهم أصحاب النّفوس الّتى ليس من شأنها الّا الظّنّ والشّكّ والرّيبة ، وعلومهم ان كانت برهانيّة فهي ظنون ولا يخلو من شوب ريبة وتقليد وعادة ، وتقديم الظّرف على تقدير كونه معمولا ليوقنون لا على تقدير جعله عطفا على بما أنزل لمراعاة رؤس الآي وللحصر مشارا به الى انّ هؤلاء الموصوفين بالأوصاف السّابقة المختصّ بهم اليقين ليس علمهم وايقانهم الّا متعلّقا بالآخرة لانّهم جعلوا الآخرة نصب أعينهم وغاية هممهم فلا يلتفتون الى غيرها حتّى يتعلّق يقينهم به بخلاف غيرهم فانّهم جعلوا الدّنيا نصب أعينهم ونبذوا الآخرة وراء ظهورهم فلا تعلّق لعلمهم النّفسانىّ بالآخرة لانّ علومهم مقصورة على الدّنيا وعلى ما يلزم التعيّش فيها فتكون نفسانيّة غير ايقانيّة يعلمون ظاهرا من الحيوة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ، ذلك مبلغهم من العلم ، وقد قيل بالفارسيّة :
اندر اين سوراخ بنّائى گرفت |
|
در خور سوراخ دانائى گرفت |
چون پى دانش نه بهر روشنى است |
|
همچو طالب علم دنياي دنيست |
طالب علم است بهر عام وخاص |
|
نى كه تا يابد از اين عالم خلاص |
همچو موشى هر طرف سوراخ كرد |
|
چونكه نورش راند از در گشت سرد |
والآخرة تأنيث الآخر كان في الأصل وصفا والتّأنيث باعتبار الموصوف الّذى هي الدّار ثم غلب عليه الاسميّة ، واطلاق الآخرة على عالم الغيب باعتبار انّها للإنسان بعد الدّار الدّنيا ومتأخّرة عنها ، فان كان المراد بالغيب المبدء والعوالم العالية في سلسلة النّزول ؛ وبالآخرة العوالم المتأخّرة في سلسلة الصّعود يعنى المعاد فالكلام تأسيس ، وان كان المراد بالغيب مطلق العوالم العالية مبدء ومعادا فالكلام مبتن على ذكر الخاصّ بعد العامّ وكان الكلام باعتبار ذكر الإيقان بعد الايمان تأسيسا أيضا.
(أُولئِكَ) العظماء المذكورون بالأوصاف العظام (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) بحيث انّهم حاكمون على وصف الهدى لا أنّهم محكومون به فالإتيان باسم الاشارة البعيدة لا حضار المسند اليه بأوصافه المذكورة ليكون كالعلّة للحكم وللاشارة الى بعد مرتبتهم لعظمتهم ، وان كان الّذين الاولى أو الثّانية مبتدء فتكرير المبتدأ باسم الاشارة يفيد الحصر ، وان كانتا تابعتين للمتّقين فكون الجملة جوابا لسؤال ناش عن المقام يقتضي الحصر فانّه بعد ذكر المتّقين وكون الكتاب هاديا لهم وذكر اوصافهم الجميلة صار المقام مقام ان يقال : مالهم من الله ، وبما امتازوا من غيرهم فقال : أولئك امتازوا عن غيرهم بكونهم على هدى أهدى إليهم من ربّهم دون غيرهم ، والحصر في القرين الثّانى قرينة للحصر هاهنا.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تكرار المبتدأ للاشارة الى امتيازهم بكلّ من الصّفتين على حيالهما لا بجمعهم بينهما ، وتوسيط العاطف للاشارة الى انّ كلّا من الوصفين غير الآخر ، ولو أتى بالجملة الثّانية مجرّدة عن العاطف لتوهّم انّ الثّانية تأكيد للأولى وانّ الوصفين متّحدان أو متلازمان.