متحقّقا ومشاهدا لشيء يسير من حقائق علمه وعمله وخارجا من التّقليد الصّرف داخلا في تحقيق ما ، ويطلق على اللّطيفة السيّارة الانسانيّة وعلى المرتبة الرّوحانيّة من الإنسان من دون اعتبار مرتبة خاصّة ، ويسمّى القلب قلبا لتقلّبه بين عالمي الملائكة والشّياطين وتقلّبه في العلوم والأحوال وفي الشؤن والأطوار ، والمراد بالقلوب هاهنا هي النّفوس الانسانيّة ، وجمع القلوب امّا باعتبار جمعيّة المضاف اليه أو باعتبار كلّ واحد من المضاف اليه اى ختم الله على قلب كلّ منهم أو على قلوب كلّ منهم نظير كلّ قلب متكبّر جبّار على قراءة اضافة القلب الى متكبّر جبّار فانّ النّفس الانسانيّة ذات شؤن كثيرة كدار ذات بيوت كثيرة في طبقة واحدة ، وذات مراتب كثيرة بعضها فوق بعض كدار ذات بيوت بعضها فوق بعض وكلّ شأن أو مرتبة منها يسمّى قلبا ، والقلب لمّا كان واقعا بين مصرى الأشقياء والسّعداء ومحلّا للجنود العقليّة والجهليّة ، وله بابان الى مصر السّعداء والأشقياء قال تعالى : ختم الله على أبواب قلوبهم لي مصر السّعداء حتّى لا يتمكّن أحد من الدّخول والخروج من تلك الأبواب وختم تلك الأبواب ملازم لفتح أبواب العالم السّفلىّ ، واطلاق الختم للاشارة الى أنّ باب القلب هو الباب الّذى الى العالم العلوىّ وأمّا بابه الى العالم السّفلىّ فليس بابا للقلب حقيقة ، ونسبة الختم اليه تعالى كنسبة الإضلال لا يستلزم جبرا لانّ الختم من شعب الرّحمة الرّحمانيّة الّتى تختلف باعتبار القابل فانّ الرّحمة الرّحمانيّة كشعاع الشّمس الّذى يبيّض ثوب القصّار ويسوّد وجهه ويطيّب ريح الورد وينتن ريح الغايط حسب استعداد القابل واقتضائه وسيأتى تمام الكلام فيه ان شاء الله في موضع آخر.
(وَعَلى سَمْعِهِمْ) السّمع مصدر سمع الكلام كالسّماع ويطلق على العضو الّذى قوّة السّماع موضوعة فيه ، ويطلق على القوّة المودعة في الرّوح المصبوبة في العصبة المفروشة في الصّماخ الّتى بها يحصل السّماع ، والمدرك بالسّمع هو الصّوت الحاصل من تموّج الهواء والحاصل من إمساس عنيف سواء كان بالقرع أو الإمرار ؛ أو تفريق عنيف كقلع الشّجرة وخرق الثّوب ، والقوّة الّتى بها يدرك النّفس المسموعات شأن من شؤن النّفس ولها كالقلب سوى كوّتها الى الخارج كوّتان ؛ كوّة الى العالم العلوىّ والى الأرواح الطّيّبة بها تسمع من الملائكة ، وما تسمع من الخارج بها تؤدّى جهته الحقّة الى مرتبتها الحقّة العقلانيّة ، وكوّة الى العالم السّفلىّ والى الأرواح الخبيثة بها تسمع من الشّيطان وتصغي اليه ، وما تسمع من خارج بها تؤدّى الى جهته الباطلة الى مرتبتها الباطلة السّفليّة ، ولمّا كان كوّتها الى الأرواح الطّيّبة ذاتيّة لها وكوّتها الى الأرواح الخبيثة غير ذاتيّة فختمها على الإطلاق منصرف الى ختم كوّتها العلويّة فلا ينفث فيها الملك ويوسوس فيها الشّيطان وما تسمع من خارج يصرفه الشّيطان الى ما يوافقه ويحرّف الكلمة عن معناها ويجعل فيها معنى ؛ آخر ، وافراد السّمع مع كون القلوب والأبصار جمعين لملاحظة كونه مصدرا في الأصل واستواء التّأنيث والتّذكير والإفراد والتثنية والجمع فيه بخلاف الاذن ولذاتي بالجمع في قوله تعالى (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) ؛ وتقديمه على الأبصار لانّه أعلى تجرّدا من البصر كما حقّق في موضعه ولذا لا يغلبه النّوم في بعض ما يغلب البصر (وَعَلى أَبْصارِهِمْ) عطف على : على قلوبهم ؛ أو متعلّق بمحذوف اى جعل على أبصارهم على قراءة نصب ما بعده وخبر مقدّم على قراءة رفعه أو مبتدأ مكتف بمرفوعه عن الخبر ، والأبصار جمع البصر وهو ادراك العين أو العضو المخصوص أو القوّة المودعة في الرّوح المصبوبة في العصبتين المجوّفتين الممتدّتين الى العينين وهذه أيضا كقوّة السّماع شأن من شؤن النّفس ولها سوى كوّتها الى الخارج كوّتان ، وختمها على الإطلاق ختم كوّتها العلويّة وكذا حجابها [غشاوة] قرء بالنّصب وبالرّفع وبتثليث الفاء وتنكير الغشاوة للتّفخيم. (وَلَهُمْ عَذابٌ