رآها زكريا عليهالسلام ، ثم تكلم عن حقيقة حملها ، وبرأها مما كان يرميه بها اليهود من الزنا.
ثم تكلم عن حقيقة عيسى بن مريم ، وأنه بشر من البشر ، ونفى عنه ما يزعمه النصارى من أنه ابن الله ، وثالث ثلاثة ، كما نفى عنه أنه قتل أو صلب ، على خلاف ما يعتقده النصارى أيضا ، ومما يتوافق مع الحقيقة التي كان يعرفها بعضهم ، والحقيقة التي كشفت عنها الأيام حينما اكتشف إنجيل برنابا.
فلم تكن قصصهم فقط سردا للحقائق التاريخية التي كانت تخفى على نبيناعليهالسلام ، والتي لم يكن قد تعلمها من قبل ، بل كانت في كثير من الأحيان تصحيحا لمعتقداتهم الباطلة التي بنوها على تاريخ محرف مزيف.
ولذلك لما هاجر المسلمون هجرتهم الأولى إلى الحبشة ، وعرضوا في القصة المعروفة التي تعقبهم بها المشركون ـ عرضوا حقيقة الإسلام التي جاء بها القرآن لم يكن من النجاشي العارف بالحقيقة إلا أن قال : «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة».
ثم قال لما عرضوا عليه حقيقة عيسى بن مريم التي جاء بها القرآن ، والتي كان يجهلها أكثر من في الأرض حتى النصارى ، من أنه عبد الله ورسوله ، وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، لم يكن من النجاشي إلا أن أخذ من الأرض عودا ، ثم قال : «والله ما زاد عيسى بن مريم على ما قلتم مقدار هذا العود».
فمن أين عرف محمد صلىاللهعليهوسلم تلك الحقائق التاريخية ، بذلك التفصيل الدقيق ، الذي كان خافيا على جل أهل الأرض ، إن لم يكن خافيا عليهم كلهم.
وعلى افتراض أنه كان يتلقى هذه الأمور عن بعض أهل الكتاب ـ كما يزعمه الملاحدة ، وكما زعمه المشركون في الماضي ، كيف يمكن للعقل البشري أن يؤمن بمثل هذه الأباطيل وهو يحدث الناس بنقيض العقيدة التاريخية التي كان يؤمن بها كل أهل الكتاب في ذلك الوقت ، وإلى يومنا هذا؟ وكان ما حدث به