عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها ، لاحقا لنهاية تنزيل القرآن (١).
إذن لو أراد محمد صلىاللهعليهوسلم أن يتكلم على الفلك بمعارفه وعلومه ، لتكلم بنفس المعارف التي كانت شائعة في ذلك العصر.
ولكن القرآن نزل بعبارات فيها إشارات خفية إلى ما لم تعرفه البشرية إلا في عصرها الحديث.
فقال تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (سورة الرعد : آية ٢).
فقد كانت هذه الآية مطابقة لما كان يراه الرجل القديم ، فإنه كان يشاهد عالما كبيرا قائما بذاته في الفضاء ، مكوّنا من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، ولكنه لم ير أية سارية أو عمود تقوم عليها تلك الكواكب.
إلا أن الرجل الجديد يشاهد في هذه الآية تفسيرا لمشاهداته التي تثبت أن الأجرام السماوية قائمة دون عمد في الفضاء اللانهائي ، بيد أن هنالك عمدا غير مرئية ، تتمثل في قانون الجاذبية ، وهي التي تساعد كل هذه الأجرام على البقاء في أماكنها المحددة لها ، فلا تسقط على الأرض ، ولا يصطدم بعضها ببعضها الآخر» (٢).
وبهذا يظهر لنا سر التعبير القرآني «بغير عمد ترونها» مما يشير إلى وجود عمد غير مرئية وهي ما يتم بفعل الجاذبية وقانونها.
إن الكلام لو لم تذكر فيه كلمة «ترونها» لتام وكامل ومفهوم ، ولكنها زيدت ـ والله أعلم ـ لهذا الغرض ، لتلفت نظر الإنسان إلى وجود شيء غير مرئي سيدركه الإنسان يوما ما بعقله وإن لم يره بعينه ، ألا وهو قانون الجاذبية ، ليدل كل ذي
__________________
(١) دراسة الكتب المقدسة : ص ١٥٤.
(٢) الإسلام يتحدى : ص ١٩٨.