ثم دافع هو نفسه عما يمكن أن يقال من أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان مفكرا عظيما حين تحدث عن حركتي الشمس والقمر ، كما يتحدث عنهما الفيثاغورثيون ، الذين توصلوا إلى أن الأرض تدور حول الشمس ، لا العكس.
دافع عن هذا بقوله : إن الفيثاغورثيين أصابوا هنا ، ولكنهم أخطئوا في كون الشمس ثابتة لا تتحرك ، وأنها مركز العالم ، فهم قد جمعوا بين الخطأ والصواب ، وهذا لا يجعلهم كالقرآن الذي لم يخطئ أبدا» (١).
نعم .. إنها شهادة حق من باحث منصف ، تطابق الواقع الذي لا يمتري فيه عاقلان.
إنه لأمر أعجب من العجيب ، وأغرب من الغريب أن نجد أميّا نشأ في الصحراء ، بعيدا عن فلسفة اليونان ، وقوانين الرومان ، وحكمة الهند ، ونظريات أرسطو وأفلاطون وفيثاغورث .. ، ومع ذلك فهو يتحدث عن النظام الفلكي بأبلغ كلام وأدقه وأحكمه ، وبما يتناسب لا مع كلام الرياضيين اليونان ، وإنما مع معارف القرن العشرين ، دون اضطراب أو تناقض ، ويرى الناظر فيه أنه كان تصحيحا لمعتقدات البشر من فلاسفة ورياضيين وفلكيين ، مع ما أضافه إليها من المعارف ، قبل قرون عديدة من عصر النهضة الذي وقف فيه الإنسان في نهاية مطافه على ما قاله القرآن.
أو يجوز لعاقل بعد هذا أن يقول : إن هذا القرآن من صنع محمدصلىاللهعليهوسلم وتأليفه ..؟.
أو أنه من إيحاءات البشر وكهانتهم وتعاليمهم؟.
لو كان كذلك لكان يجب على أحسن أو أسوأ الاحتمالات أن ينطق بمعارف ذلك العصر وتعاليمه ، إلا أنه لم يعرف تعاليمهم ، وعند ما نطق بموضوعها نطق مخالفا لها ومعلنا عن خطئها ، مما يدفعنا وبكل ثبات ويقين أن نقول : إن هذا لهو الدليل القاطع على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر ، ولا من تعاليمهم وإيحاءاتهم ، وإنما هو من كلام خالق الأرض والسماء ، والعالم بالسر والعلن ، إنه كلام الله.
__________________
(١) دراسة الكتب المقدسة : ص ١٧٥ ـ ١٧٨.