قالوا : وهو أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب.
قالوا : ومن فوق هذا الموج سحاب ، وهو أعظم للخوف من وجهين :
أحدهما : أنه قد غطى النجوم التي يهتدى بها.
الثاني : الريح التي تنشأ مع السحاب ، والمطر الذي ينزل منه (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) أي من شدة الظلام الناتج عن الموج والسحاب (١).
هذا هو المعنى الذي كنا نفهمه دون أن نرى أي وجه للإعجاز العلمي فيه ، فرغم التتبع والاستقراء ، لم أجد أحدا من المفسرين المتقدمين أشار إلى أي نوع من أنواع الإعجاز العلمي الذي أثبته العلم الحديث.
وهذا الفهم الذي كنا نفهمه فهم سليم ، مطابق لقواعد اللغة ومدلولاتها ، ومطابق أيضا للواقع الذي كان يشاهده ويعرفه كل من عرف البحر.
وهذا أيضا من إعجاز القرآن ، إذ أن كل جيل يقرأ القرآن ، ويفهمه الفهم السليم ، المطابق لقواعد التفسير ، ولكنه يجد كل جيل في القرآن معنى جديدا آخر غير المعنى الذي رآه الجيل السابق في بعض الآيات أو الكلمات ، ودون أن تتضارب المعاني أو تتصارع أو تتناقض.
كالذي ينظر إلى بعض الصور المركبة من زاوية من زواياها ، فيرى فيها شكلا ما ، فإذا ما نظر إليها من زاوية أخرى ، رأى فيها شكلا آخر ، وكلا الشكلين حق ، أراده الرسام وتعمده ، ليدل على دقة فنه ، وبراعة صنعه ، فلو أقسم الأول على ما رأى ، لكان صادقا ، ولو أقسم الثاني على ما يرى يكون صادقا أيضا ، ولا تعارض بين الصورتين المدركتين ، وربما أدرك الناظر عدة صور وكلها صحيحة ، والصورة المنظورة واحدة.
وما فهمه السلف رضوان الله عليهم من هذه الآية لم يكن لهم ليفهموا غيره ، ولا سيما إذا كانوا ممن لم يمارس البحار والعمل فيها.
__________________
(١) انظر : القرطبي ١٢ / ٢٨٣.