قال ابن سيده في قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي ذات كفات للأحياء والأموات ، ظهرها للأحياء ، وبطنها للأموات ، اه على معنى أنها تجمعهم وتضمهم.
ويقال : اكتفت المال : إذا ضمه إليه أجمع (١).
ومن هذا قول الشاعر :
كرام حين تنكفت الأفاعي |
|
إلى أجحارهن الصقيع |
أي حين تنجذب الأفاعي إلى داخل جحورهن من شدة البرد.
ولو أننا تتبعنا هذه المادة في جميع مشتقاتها لوجدناها بمعنى الضم والجمع ، والقبض والجذب.
إذا فهذه الآية تدلنا بصراحة على هذا المعنى العلمي الدقيق الذي اكتشفه الإنسان المعاصر بعد جهد جهيد من البحث والتدبر والملاحظة ، ألا وهو معنى الجاذبية التي توجد في الأرض ، والتي بواسطتها يستقر الإنسان عليها ، وينجذب إليها.
«ولكي لا يتصور متصور أن هذا الجذب أو الضم إنما يكون إذا دفن الإنسان بعد موته في باطن الأرض جاء القيد المعمم يقول : (أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي إنا جعلناها بحيث تجذبكم إليها إذ تكونون أحياء تتحركون على ظهرها ، وإذ تعودون أمواتا مدفونين في باطنها» (٢).
إننا حينما نقرأ هذه الآية ، وندرك المعنى اللغوي المتفق عليه لمادة كفت ، نوقن وبلا تردد في أنها ناصة على معنى الجاذبية.
فإذا علمنا يقينا بأن هذا المعنى ، بمعناه العلمي المعاصر ، لم يكن معروفا أبدا في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم ، لا من قبل العرب ، ولا من قبل غيرهم من الأمم
__________________
(١) وانظر تاج العروس : كفت.
(٢) عن مقال للدكتور البوطي في مجلة العربي رقم ٢٤٦ سنة ١٣٩٩ ـ ١٩٧٩.