ولذلك قالوا : الإنسان عدو ما يجهل.
بنفس هذا المنطق جابه المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كثير من الحقائق التي أتى بها ، والتي لم تدركها عقولهم ، ولم تتسع لها معارفهم.
فحينما أخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالبعث بعد الموت ، أخذ أبي بن خلف عظما باليا ، وفته ثم ذراه في الرياح ، ثم قال لرسول الله : أتزعم أن ربك يبعث هذا ..؟!.
وهذا هو شأن الإنسان مع ما يجهل أو ينكر.
ومما كان الإنسان يجهله جهلا كاملا ، ولا يمكن له أن يتصور خلافه ، هو احتراق الماء ، وذلك لما كان يعرفه من أن الماء يطفئ النار ويذهب بلهيبها ، لا أنه يحترق ويشتعل كما تشتعل الأخشاب.
ولو أن أي إنسان طرح فكرة احتراق الماء واشتعاله أمام الإنسان القديم ، لأنكرها أشد الإنكار ، ولاستدل على بطلانها كما استدل الحداد على بطلان إمكانية طفو الحديد على سطح الماء.
ولكنه رغم هذا ، وفي الوقت الذي كان الإنسان ينكر فيه احتراق الماء ، نزل القرآن بما يدل صراحة على احتراقه ، فقال تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي : اشتعلت.
لقد سمع المؤمنون هذه الآية ، وآمنوا بها إيمانا غيبيا ، آمنوا بأن الماء يحترق ويشتعل ، ولكن لما ذا؟ وكيف ..؟ لم يكن عندهم جواب عن هذا.
لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن سر تكوين الماء وتركيبه.
وجاءت العلوم والمعارف الحديثة ، واكتشفت أن الماء يتكون من عنصرين هما : الهيدروجين والأوكسجين ، وأن الجزيء المائي الواحد يشتمل على ذرتين من عنصر الهيدروجين ، وذرة واحدة من الأوكسجين ، وأن الهيدروجين غاز قابل للاحتراق ويشتعل ، وأن الأوكسجين غير قابل للاحتراق ولا يشتعل ، ولكنه يساعد على الاشتعال.