لقد فهم أسلافنا رضوان الله عليهم هذه الآية على ظاهرها ، بناء على ما كان لديهم من معلومات عن خلق الإنسان وتكوينه ، فقالوا على اختلاف مناهجهم ، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى : أي أن الله جعل من هذا الخلق الذي خلقه من المني ، جعل منه الزوجين الذكور والإناث.
أو أنه جعل من هذا الإنسان بعد ما سواه خلقا سويا ـ جعل منه أولادا له ، ذكورا وإناثا.
فكل معانيهم كانت منصبة على أن الله خلق الإنسان من مني الرجل والمرأة أطوارا ، إلى أن كان منه الذكر ، وكان منه الأنثى ، دون أن يتعرض واحد منهم لحقيقة النطفة عند الرجل ، لأنه كان (مِمَّا لا يَعْلَمُونَ).
على أن ما ذكرناه بناء على معارفهم كان سليما صحيحا ، لا غبار عليه.
إلا أن الوسائل البصرية التي تمكن الإنسان من اختراعها ، والتي مكنته من تكبير الأجسام آلاف وآلاف المرات ، والدراسات التي أجراها على الخلية ، مكنته من اكتشاف شيء جديد ، ما كان للقدماء أن يقفوا عليه بحال من الأحوال ، وهو أنه خلايا الرجل الجنسية تحمل صفات الذكورة إلى جانب صفات الأنوثة ، وعند انقسام هذه الخلية في الغدد الجنسية تعطينا حيوانين منويين ، أحدهما يحمل صفة الذكورة ، والآخر يحمل صفة الأنوثة.
وبمعنى آخر إذا أخذنا السائل المنوي الذي يقذفه الرجل ، والذي يحتوي في المتوسط على مائتي مليون حيوان منوي ، فإننا سنجد أن مائة مليون منها ذكور ، ومائة مليون أخرى إناث.
ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نميز بين الحيوانين بالعين المجردة ، إلا أن العلماء التجريبيين قد تمكنوا من هذا بواسطة وسائلهم البصرية والعلمية ، وأعطوا أوصافا للحيوان المنوى الذكر بأنه له وميض ولمعان في رأسه ، بينما يفقد الحيوان المنوي المؤنث هذا اللمعان والوميض ، كما أن المذكر أسرع حركة وأقوى بأسا في الغالب من زميله الذي يحمل صفة الأنوثة (١).
__________________
(١) خلق الإنسان : للدكتور البار ص ١٣٥.