إلى آخر ما هنالك من الفروع الفقهية الكثيرة ، التي ذكروها ، وبنوها على هذا التصور الذي كان قائما عندهم ، والذي ينص على أن الظهر مستودع ماء الرجل ، وهو نفس التصور الذي كان شائعا عند جميع أمم الأرض.
وأنا لا أذكر هذه النقول عن سلفنا ـ رضي الله عنهم ـ لأجعل من كلامهم وسيلة ومادة للهزء والسخرية ، كما يفعل بعض من لا خلاق له ، ممن حرم الأدب والخلق الإسلامي.
وإنما أذكره لأبين ما كان سائدا عندهم من التصورات عن هذا الموضوع ، ولا تثريب عليهم بعد ذلك إن أخطئوا في هذا التصور ، فهذا ما تمكنوا من الوصول إليه بما لديهم من وسائل ، وما معهم من علوم ومعارف ، والدلالة اللغوية للقرآن تحتمله ولا ترده ، وهي الأساس الأول للتفسير بعد الأحاديث والآثار ، وجزاهم الله خير الجزاء على اجتهادهم ، والمجتهد عندنا يثاب أصاب أم أخطأ.
وإنما أذكر ما أذكره لأبين حقيقة تصورهم وتصور البشر ، لمكان ماء الرجل والمرأة ، حتى إذا سمعنا من يذكر خلاف هذا ، مما يبعد عنه كل البعد ، وهو لم بعد تلك البيئة ، وليس لديه سوى تلك المعارف ، علمنا أن لا ينطق ما ينطق به إلا بناء على خبرة يقينية بحقيقة الخلق وتركيبهم ، وهذا لا يكون إلا من قبل الخالق الحكيم.
لقد نصت الآية القرآنية على أن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ).
إذن فالقرآن يحدد مكان الماء ، وهو في المكان الواقع بين الصلب : وهو العمود الفقري ، والترائب : وهي عظام الصدر التي تلي الترقوة ، فكيف نوفق بين هذا النص ، وبين الحقيقة اليقينية التي لا تخفى على أحد ، وهي أن ماء الرجل يتكون في الخصيتين ، كما أن بويضة المرأة تتكون في مبيضها؟.