الدهر الطويل .. إننا حينما نجده ، وهو لم يجد النطق بعد ، حينما نجده ينطق بهذه اللغات ، فإننا نستغرب هذا ، وننسبه إلى أمر وراء الطبيعة ، وتكثر حوله الأساطير والخرافات ، ويتناقل خبره العلماء التجريبيون ، والفلاسفة النظريون ، والعامة والخاصة ، مع علمنا بأن الناس حوله يتكلمون بهذه اللغات التي نطق بها ، وأمر تعلمها له ليس بمستحيل ، ولكنه بعيد كل البعد عن الطاقات البشرية المعتادة عند طفل صغير ، ولذلك كان مثل هذا مستغربا منه.
فما ذا نقول إذا سمعنا أميا في وسط جزيرة العرب ، لا يعرف قراءة ولا كتابة ، ولم يطالع كتب فلك ، ولا طب ، ولا هندسة ، ولا علوم ، ومع ذلك ينطق بالقوانين العلمية في شتى مجالات العلم والمعرفة ، وفيما لم يكن معروفا في زمنه أبدا ، ولا ينطق به من الناس أحد ـ وبعد القرون الطويلة المتعددة تأتي العلوم الحديثة لتثبت كل ما قاله حرفا حرفا.
لا شك أننا نقطع بأن هذه القوانين التي قالها ، وتلك الكلمات التي رددها ، لم تكن من صنعه ولا اجتهاده ، لأنها لم تكن معروفة في أهل الأرض ، وإنما هي قول خالق الكون والإنسان العارف بما خلق ، ليجعل من هذا الكلام معجزة علمية دالة عليه ومشيرة إليه ، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ..؟).