وذلك لأن المعجزة هي الأمر الخارق للعادة ، الذي لا يستطيع أحد من أهل الأرض أن يعارضه ، بل لو اجتمع عليه كل أهل الأرض لما استطاعوا إلى معارضته سبيلا ، على مر العصور ، وكر الدهور ، على ما عرفناه في المقدمة (١).
وهذا الذي معنا ، وهو دعوى التسعة عشر ومضاعفاتها في كلمات القرآن وحروفه ، لو اطرد في كل كلمة من كلمات القرآن ، فكانت من مضاعفات التسعة عشر ، وفي كل حرف من حروفه ، فكانت من مضاعفات التسعة عشر ، لما كانت فيه أية معجزة ، ولما عدا كونه شيئا جميلا يلفت النظر ، دون أي إعجاز فيه.
وذلك لأنه بإمكان الإنسان أن يأتي بمثله في كل زمان ومكان ، بل بإمكانه أن يأتي بما هو أبدع منه وأعظم.
وهذا على افتراض أنه ورد هكذا مطردا في كل كلمة أو حرف ، فكيف به وهو لم يطرد ، بل لم يوجد في كل القرآن إلا في بضع كلمات لا تثير أي اهتمام ولا تلفت أي انتباه ..؟.
إن أي طفل صغير اليوم في العالم المتحضر يستطيع أن يعبث بالحاسب الآلي (الكمبيوتر) ليأتينا بما يذهل كل عقل في عالم الأرقام والكلام ، ومع ذلك فليس هو بمعجز ، ولا بلافت للنظر اليوم.
لقد صنف الحريري مقاماته ، ومن جملة مقاماته المقام السينية والشينية.
فالسينية أنشأها وكل كلمة فيها تشتمل على حرف السين ، والشينية تشتمل كل كلمة منها على حرف الشين ، وكان بإمكانه أن يجعلها من مضاعفات أي رقم شاء ، ومع ذلك لم يزد العلماء عن القول بأنها جميلة ، ولم يقل أحد إنها معجزة ، أو قريبة من الإعجاز.
ولقد صنف اسماعيل بن أبي بكر المقرئ كتابه المسمى عنوان الشرف
__________________
(١) انظر : معنى المعجزة في ص ١٦ ، من هذا الكتاب.