قلنا : سنورد من كلامهم ما يدفع هذا الإشكال.
والجواب : أنه إن أريد بالإمكان ، الإمكان الذاتي (١) اللازم لماهية الممكن ، فلا نسلم أنه وجودي ، بمعنى كونه أمرا محققا يستدعي محلا موجودا في الخارج ، وقد مر بيان ضعف أدلتهم على ذلك ، وإن أريد الإمكان الاستعدادي ، فلا نسلم أن كل حادث فهو قبل وجوده ممكن بالإمكان الاستعدادي ، لجواز أن يحدث من غير أن يكون هناك مادة وأمور معدة لها ، إلى وجود ذلك الحادث ، ولا يكون هذا من الانقلاب في شيء ، لأن المقابل (٢) للوجوب والامتناع هو الإمكان الذاتي ، لا الاستعدادي ، وفي قوله المخالف له إشارة إلى التغاير بين الإمكانين ، وذلك من وجوه.
أحدها (٣) : أن الذاتي لا يقتضي رجحان الوجود أو العدم ، بل كلاهما بالنظر إليه على السواء ، والاستعدادي يقتضيه ، لأنه حالة مقربة للمادة إلى تأثير المؤثر فيها وإيجاد الحادث (٤).
وثانيها : أن الاستعدادي يتفاوت بالقرب والبعد ، فإن استعداد المضغة للإنسانية ، أقرب من استعداد العلقة ، وهو من النطفة ، وهو من المادة النباتية ، وهو من المعدنية ، وهو من العنصرية ، وهكذا حتى أن الهيولى الأولى أبعد الكل ولا كذلك الإمكان الذاتي. فإنه لا يتصور تفاوت واختلاف في إمكان وجود الإنسان لماهيته ، وما توهم من تفاوته عند اعتبار التعلق بأمر خارج ، كإمكان وجود الإنسان لماهيته بالنظر إلى العلقة والمضغة مثلا ، فعائد إلى الاستعدادي.
وثالثهما : أن الذاتي اعتبار عقلى ولا تحقق له في الأعيان بخلاف الاستعدادي ، فإنه كيفية حاصلة للشيء ، مهيئة إياه لإفاضة الفاعل وجود
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (الذاتي).
(٢) في (ب) القابل بدلا من (المقابل).
(٣) في (ب) أولها بدلا من (أحدهما).
(٤) في (ب) واتحاد بدلا من (إيجاد).