فلا الماضي في الماضي ولا لمستقبل في المستقبل لأنه يعود التقسيم السابق.
أجيب : بأن الموجود في أحد الأزمنة (١) أخص من مطلق الموجود ، وكذب الأخص لا يستلزم كذب الأعم ، فإن قيل إذا انحصر العام في عدة أمور كل منها معدوم كان معدوما بالضرورة ، ولذا قالوا لا وجود لجميع الحركات الماضية من الأزل وإلا فإما في الماضي أو المستقبل أو الحال والكل محال.
أجيب : بمنع الانحصار ، فإن من الموجودات ما لا يكون في شيء من الأزمنة كالزمان ، وإنما ذلك فيما يكون زمانيا كالحركة.
نعم يتم انحصار الزمان في الثلاثة بل في الماضي والمستقبل لكن وجودهما في نفسهما لا يستلزم وجودهما في زمان.)
قال : المبحث الثاني في الزمان.
احتج المتكلمون على نفيه بوجوه :
الأول : لو وجد لكان بعض أجزائه متقدما على البعض ، للقطع بأنه ليس أمرا قار الذات مجتمع الأجزاء ، بحيث يكون الحادث الآن حادثا يوم الطوفان (٢) بل لو وجد لم يكن إلا أمرا متقضيا متصرما يحدث جزء منه بعد جزء ،
__________________
(١) زعم المتكلمون : أن الزمان أمر اعتباري موهوم ، وعرفه الأشاعرة بقولهم : إنه متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم.
وقال الرازي في المباحث المشرقية : إن للزمان كالحركة معنيين أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم ، وهو مطابق للحركة وثانيهما أمر متوهم لا وجود له في الخارج.
(٢) يوم الطوفان : هو اليوم الذي غرق فيه قوم نوح قال تعالى : (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) (سورة العنكبوت آية ١٤) والطوفان : المطر الغالب ، والماء الغالب يغشى كل شيء وقيل هو الموت الذريع الجارف ، وقيل السيل ، وقيل القتل الذريع ، وقيل الطوفان من كل شيء ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة ، وقيل كل حادثة تحيط بالإنسان ثم صار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة وقال الأخفش الواحد في القياس طوفانه وأنشد :
غير الجدة من آياتها |
|
خرق الريح وطوفان المطر |
وطوف تطويفا أكثر من الطوفان قال الشاعر : ـ
أطوف ما أطوف ثم آوي |
|
إلى بيت قعيدته لكاع |