الثالث : أن البعد إما أن يفتقر إلى المحل. فلا يتجرد ، أو يستغني فلا يحل.
والجواب : أن مبنى الكل على تماثل البعدين (١) وهو حجة (٢)).
قال : احتج القائلون بكون المكان هو السطح ، بأنه لا يعقل منه إلا البعد أو السطح ، والأول باطل لوجوه :
الأول : أنه لو كان هو البعد ، فإما أن يكون متوهما مفروضا ، على ما هو رأي المتكلمين ، وهو باطل. لأن المكان جود ضرورة واستدلالا بأنه يقبل التساوي والتفاوت ، وحيث يقال : مكان هذا مساو لمكان ذاك ، أو زائد عليه ، أو ناقص عنه ، نصف له ، أو ثلث أو ربع ، أو غير ذلك ، وبأنه يقبل الإشارة الحسية ، وانتقال الجسم منه وإليه ، حيث يقال : انتقل الجسم من هذا المكان إلى ذلك ، والاتصاف بالصغر والكبر ، والطول والقصر ، والقرب والبعد ، والاتصال والانفصال ، إلى غير ذلك ، ولا شيء من العدم المحض والنفي(٣) الصرف كذلك.
وإما أن يكون متحققا موجودا ، على ما هو رأي أفلاطون ومن تبعه ، وهو أيضا باطل ، لأنه إن كان قابلا للحركة الآنية ، التي هي الانتقال من مكان إلى مكان ، كان له مكان.
وينقل الكلام إليه ليلزم ترتب الأمكنة لا إلى نهاية ، وهو محال لما مر في إبطال التسلسل ، ولأن جميع الأمكنة الغير المتناهية ، لكونه من جنس البعد ، على ما هو المفروض يكون قابلا للحركة ، مفتقرا إلى المكان فيلزم أن يكون ذلك المكان داخلا في جملة الأمكنة ، لكونه واحدا منها ، وأن يكون خارجا عنها لكونه ظرفا (٤) لها ، وذلك محال ، وإن لم يكن ذلك البعد الذي هو
__________________
(١) في (ج) البعد بدلا من (البعدين).
(٢) في (ج) بزيادة لفظ (وهو حجة).
(٣) نفى الشيء نفيا نحاه وأبعده ، يقال : نفى الحاكم فلانا أخرجه من بلده وطرده. ونفيت الحصى عن الطريق ، ونفى السيل الغثاء ، ويقال نفت السحابة ماءها أسالته وصبته ، ونفت الريح التراب نفيا ونفيانا أطارته. (المعجم الوسيط ج ٢).
(٤) في (ب) طرفا بدلا من (ظرفا).