المكان قابلا للحركة. لزم أن يكون الجسم قابلا للحركة ، لأنه ملزوم للبعد المنافي لقبول الحركة، وملزوم منافي الشيء مناف لذلك الشيء ، الثاني : أن المكان لو كان هو البعد ، وهو موجود ضرورة واستدلالا لزم من تمكن الجسم في المكان تداخل البعدين ، أي نفوذ البعد القائم به ، في البعد الذي هو مكانه ، لأن (١) هذا معنى التمكن عندهم ، واللازم باطل. للقطع بأنه ليس في الإناء المملوء من الماء إلا بعد واحد ، ولأنه يستلزم اجتماع المثلين ، أعني البعدين في محل واحد هو المتمكن (٢) ، ولأنه يستلزم ارتفاع الآنات عن البديهيات ، لكون هذا البعد ذراعا واحدا مثلا لجواز أن يكون ذراعين أو أكثر تداخلا ، وككون المتمكن بمكانه في المقدار لجواز أن يكون (٣) بعد أحدهما أزيد من الآخر ، حصل من تداخلهما هذا المقدار المشاهد ، وكل ذلك منتف بالاتفاق.
الثالث : أن البعد في نفسه إما أن يفتقر إلى المحل ، فيمتنع تجرده عن المادة ، على ما يدعونه في البعد الذي هو المكان ، وإما أن يستغنى عنه فلا يحل في المادة ، على ما هو شأن البعد القائم بالجسم ، لأن معنى حلول العرض في المحل اختصاصه ، بحيث يفتقر إليه في التقوم ، فلا يرد ما قيل : إنه يجوز أن لا يفتقر في نفسه إلى المحل ، ويعرض له الحلول فيه.
وأجيب عن الكل بأنه .. يجوز أن يكون البعد القائم بالجسم ، مخالفا بالماهية البعد المفارق ، وإن اشتركا في ذاتي أو عرضى هو مطلق البعد ، فلا يمتنع اختصاصه بقبول الحركة ، واقتضاء المحل ، واختصاص البعد المفارق بإمكان النفوذ فيه ، ولا يكون اجتماعهما من اجتماع المثلين ، على أن ما ذكر من تعدد البعدين في التمكن ، واجتماع المثلين ليس بمستقيم لأن أحدها في التمكن والآخر فيه المتمكن.
(قال : حجة (٤) البعد.
__________________
(١) في (أ) بزيادة (لأن).
(٢) في (ب) التمكن بدلا من (المتمكن).
(٣) سقط من (ب) من قوله : ذراعين إلى لفظ (يكون).
(٤) الحجة : اسم مضعف على زنة فعله لبرهان أهل الحق والدلالة البينة للحجة ، أي المقصد : ـ