وتحقيقه : أن ما يتأثر عن الحرارة فإن كان بسيطا استحال أولا في الكيف ثم أفضى به ذلك إلى انقلاب الجوهر فيصير الماء هواء ، والهواء نارا ، وربما يلزمه تفريق المتشاكلات بأن يميز الأجزاء الهوائية من الماء ، ويتبعها ما يخالطها من الأجزاء الصغار المائية ، وإن كان مركبا فإن لم يشتد التحام بسائطه ولا خفاء في أن الألطف أقبل للصعود لزم تفريق الأجزاء المختلفة وتبعه انضمام كل إلى ما يشاكله بمقتضى الطبيعة ، وهو معنى جمع المتشاكلات ، وإن اشتد التحام البسائط (١) ، فإن كان اللطيف والكثيف قريبين من الاعتدال حدثت من الحرارة القوية حركة دورية لأنها كلما مال اللطيف إلى التصعد جذبه الكثيف إلى الانحدار ، وإلا فإن كان الغالب هو اللطيف يصعد بالكلية كالنوشادر ، وإن كان هو الكثيف فإن لم يكن غالبا جدا حدث تسييل كما في الرصاص ، أو تليين كما في الحديد ، وإن كان غالبا جدا كما في الطلق حدث مجرد سخونة ، واحتيج في تليينه إلى الاستعانة بأعمال أخر ، وعدم حصول التصعد ، أو التفرق بناء على المانع ، لا ينافي كون خاصتها التصعد ، وتفريق المختلفات وجمع المتشاكلات.
(قال : وقد يقال الحار لما يحدث حرارة إما بشرط ملاقاة البدن كالأغذية والأدوية. أولا : كالمشمومات.
وأما الحرارة الغريزية التي بها قوام الحياة ، فقيل نارية ، وقيل : سماوية ، وقيل : مخالفة لهما بالحقيقة لاختلاف الآثار ، حتى إنها تدفع الحرارة الغريزية.
__________________
(١) البسيط عند المهندسين : السطح. قال ابن سينا : الجسم ينتهي ببسيطه وهو قطعه والبسيط ينتهي بخطه وهو قطعه ، والجسم يلزمه السطح لا من حيث تتقوم به جسميته ، بل من حيث يلزمه التناهي بعد كونه جسما.
(راجع الإشارات ص ١٠٢). والبسيط في اصطلاح الفلاسفة : هو الشيء الذي لا جزء له أصلا كالوحدة والنقطة ، وهو لفظ مولد يقابله المركب بمعنى الشيء الذي له جزء قال أبو حيان التوحيدي : وأقبل عليّ وقال : أيها الرجل إن هذه النقطة شيء لا جزء له ، فقلت : وما الشيء الذي لا جزء له ...؟ فقال البسيط.
(راجع معجم الأدباء لياقوت ٤ ص ١٦٦).