الانفصال فهي كيفية بها يستعد الجسم بسهولة الالتصاق بالغير ، وسهولة الانفصال (١) عنه، ولا نسلم أن العسل أسهل التصاقا من الماء ، بل أدوم وأكثر ملازمة ، ولا عبرة بذلك في الرطوبة ، كيف وظاهر أنه ليس أسهل انفصالا فيلزم أن لا يكون أسهل التصاقا من الماء (٢) ، وكان مراد الإمام تأويل كلامهم بما ذكر ، وإلا فاعتراض ابن سينا إنما هو على ما نقله من كلامهم ، لا على تفسير الرطوبة بسهولة الالتصاق والانفصال ، على ما يشعر به كلام المواقف ، ومبناه على أن لا تعرض في كلامهم للانفصال أصلا ، ولا للسهولة في جانب الالتصاق ، على أن ما ذكر من استلزام سهولة الالتصاق وسهولة الانفصال ممنوع ، وقد يعترض على اعتبار سهولة الالتصاق بأنه يوجب أن يكون اليابس (٣) المدقوق جدا كالعظام المحرقة رطبا لكونه كذلك. ويجاب بأنه يجوز أن يكون ذلك لمخالطة الأجزاء الهوائية ، وهذا إنما يتم على رأي من يقول برطوبة الهواء ، وسهولة التصاقه ، لو لا مانع فرط اللطافة ، لا على رأي الإمام ، واعترض على اعتبار سهولة قبول الأشكال بوجوه منها :
أن النار أرق العناصر ، وألطفها وأسهلها قبولا للأشكال ، فيلزم أن تكون أرطبها ، وبطلانه ظاهر.
وأجيب. بأنا لا نسلم سهولة قبول الأشكال الغريبة في النار الصرفة ، وإنما ذلك فيما شاهد من النار المخالطة للهواء.
فإن قيل : إذ أوقد التنور شهرا أو شهرين انقلب ما فيه من الهواء نارا صرفة أو غالبة (٤) ، مع أن سهولة قبول الأشكال محالها بل أزيد.
قلنا : لو أوقد ألف سنة فمداخلة الهواء ، ومخالطة الأجزاء بحالها ومنها أنه يوجب كون الهواء رطبا ، ويبطله اتفاقهم على أن خلط الرطب باليابس
__________________
(١) سقط من (ب) من أول (فهي) إلى (الانفصال).
(٢) في (أ) بزيادة (من الماء).
(٣) في (ب) القباس بدلا من اليابس).
(٤) في (ب) له بدلا من (أو).