الثاني : أن من وضع طرف أنبوبة (١) في فمه ، وطرفها الآخر في صماخ (٢) إنسان ، وتكلم منها بصوت عال سمعه ذلك الإنسان دون غيره من الحاضرين وما ذلك إلا بمنع الأنبوبة وصول الهواء الحامل للصوت إلى أصمختهم.
الثالث : أنا نرى سبب الصوت كضرب الفأس على الخشبة مثلا ، ويتأخر سماع الصوت عنه زمانا يتفاوت بحسب تفاوت المسافة قربا وبعدا ، فلو لا أن السماع يتوقف على وصول الهواء لما كان كذلك.
وأجيب عن الكل بأن غايتها الدوران وهو لا يفيد القطع بالسببية ، فيجوز أن يكون ميل (٣) الصوت مع الرياح واختصاص صاحب الأنبوبة بالسماع وتأخر السماع عن ضرب الفأس بسبب آخر فلا يدل توقف السماع على وصل هواء حامل (٤) للصوت. والحق أن هذه أمارات ربما تفيد اليقين الحدسي للناظر وإن لم يقم حجة على المناظر. واستدل على بطلان توقف السماع على وصول الهواء الحامل بوجوه :
الأول : أنه لو كان كذلك لما أدركنا جهة الصوت وحده من القرب والبعد لأن الواصل لا يكون إلا ما في (٥) الصماخ.
والجواب ما سبق من أن المدرك الموقوف إدراكه على وصول الهواء ليس هو القائم بالهواء الواصل (٦) فقط كما في اللمس بل البعيد أيضا كما في الإبصار.
الثاني : أنّا ندرك أن صوت المؤذن عند هبوب الرياح يميل عن جهتنا إلى خلافها.
__________________
(١) راجع توضيح هذا المثال عند صاحب المواقف في النوع الثالث من المحسوسات ص ٢٦١.
(٢) الصماخ بالكسر : خرق الأذن وقيل هو الأذن نفسها والسين لغة فيه.
(٣) في (ب) مثل وهو تحريف.
(٤) في (ب) حائل بدلا من (حامل).
(٥) سقط من (أ) حرف (ما).
(٦) في (أ) بزيادة لفظ (الواصل).