ومكروها معا لإن إرادة الكراهة وكراهة الإرادة لا توجب إرادة المكروه وكراهة المراد وهذا بخلاف الشهوة فإنه لا معنى لاشتهاء الإنسان شهوته لشيء إلا بمعنى الإرادة كما قيل لمريض: أي شيء تشتهي فقال : اشتهي ألا اشتهي (١) وكذا النفرة لا تتعلق بالنفرة.
(قال : والفلاسفة لما زعموا أن الواجب موجب وتفطنوا لشناعة نفي الإرادة عنه زعموا أنها نوع من العلم ففسروها بالعلم بما هو عند العالم كمالا وخيرا ، وبكون الفاعل عالما بما يفعله اذا كان ذلك العلم سببا لصدوره عنه غير مغلوب ولا مكره ، ثم ذكروا أن لها معنى آخر أعم هي حالة ميلانية توجد عند الإنسان وغيره).
يعني أنهم لما ذهبوا إلى أن الله تعالى موجب بالذات لا فاعل بالاختيار والإرادة ، وعلموا أن في نفي الإرادة عنه تعالى شناعة وإلحاقا لأفعاله تعالى بأفعال الجمادات حاولوا إثبات كونه مريدا على وجه لا ينافي كونه تعالى موجبا فزعموا أن الإرادة عبارة عن العلم بما هو عند العالم كمال وخير من حيث هو كذلك ، أو عن العلم بكون الفاعل عالما بما يفعله إذا كان ذلك العلم سببا لصدور ذلك الفعل عنه حال كونه غير مغلوب في ذلك ولا مستكره، والله تعالى عالم بذلك فيكون مريدا ، واعترض بأن الإرادة والكراهة لو كانتا نوعين من العلم لاختصتا بذوي العلم ، واللازم باطل لأن الحركة بالإرادة مأخوذة في تعريف مطلق الحيوان ، فأجابوا بأن المراد من الإرادة المشتركة بين الحيوانات حالة ميلانية إلى الفعل أو الترك وهي منفية عن الواجب.
__________________
(١) في (أ) سقط لفظ (ألا).