في القادر التام القدرة فيكفي الاعتقاد المذكور. وذهب أصحابنا إلى أن الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع ، أو ميل يتبعه فلا يكون شيء منهما لازما لها فضلا عن أن يكون نفسها.
وذلك كما في الأمثلة التي يرجح فيها المختار أحد الأمرين (المتساويين من جميع الوجوه بمجرد إرادته من غير توقف في طلب المرجح واعتقاد نفع في ذلك الطرف.
والمعتزلة (١) ينكرون ذلك ويدعون الضرورة بأنه لا بد من مرجح حتى لو تساويا في نفس الأمر لم يستبعد منع اختيار أحد الأمرين) (٢) وسلوك أحد الطريقين وإنما يستبعد عند فرض التساوي ، وهو لا يستلزم الوقوع والأصحاب يدعون الضرورة بأن ذلك الترجيح ليس إلا لمحض الإرادة ، من (٣) غير رجحان واعتقاد نفع في ذلك المعين.
فالإرادة عندهم صفة بها يرجح الفاعل أحد مقدوريه من الفعل والترك ، وهذا معنى الصفة المخصصة لاحد طرفي المقدور بالوقوع ، وهذا التفسير كما لا يقتضي كونها من جنس الاعتقاد أو الميل كذلك لا ينفيه وكذا لا يقتضي كون متعلقهما مقدورا لجواز أن يكون صفة تتعلق بالمقدور وغيره ، ويكون من شأنهما الترجيح والتخصيص لأحد طرفي المقدور.
ولهذا جاز إرادة الحياة والموت فبطل ما قيل : إن متعلق الإرادة على هذا التفسير لا يكون إلا مقدورا فيمتنع تعلقها بالإرادة جو الكراهة ، وبالعكس إلا إذا جعلناها من مقدورات العبد بإقدار الله تعالى ، وصح ما قيل في الفرق بين الإرادة والشهوة بأن الإرادة قد تتعلق بالإرادة وبالكراهة بأن يريد الإنسان إرادته لشيء أو كراهته له ، وكذا الكراهة ولا يلزم منه كون الشيء الواحد مرادا (٤)
__________________
(١) راجع ما كتبه القاضي عبد الجبار في كتابه المغني في أبواب التوحيد والعدل. الجزء السادس ص ٤٠ وما بعدها.
(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٣) سقط من (ب) لفظ (من).
(٤) في (ب) فردا وهو تحريف.